وهي « أنّه كلّما حكم به العقل حكم به الشرع » فقبل الورود في البحث عنها لابدّ من تفسير كلمة الحكم الوارد في الجملتين فنقول : إنّه فرق بين الحكم في قولنا : « حكم به العقل » والحكم في قولنا : « حكم به الشرع » حيث إن الحكم الأوّل معناه إدراك العقل لا إنشائه وجعله لأنّ إنشاء التكليف من شأن المولى ( نعم للعقلاء بناءات واعتبارات وقوانين إنشائيّة في دائرة أحكامهم العقلائيّة وهي في الحقيقة من سنخ إنشاءات الموالي بالنسبة إلى العبيد ).
وأمّا الحكم الثاني ، فليس هو بمعنى الإدراك بل هو بمعنى التشريع والتقنين لكون الشارع مولى الموالي والناس جميعهم عباده ، هذه نكتة.
والنكتة الثانية : أنّ قضيّة الأصل في هذا العنوان ( أي قضية كلّما حكم به العقل ، حكم به الشرع ) مخالف للعكس ( وهي كلّما حكم به الشرع حكم به العقل ) فإنّ الأولى قضية مطلقة والثانية مشروطة ، لأنّها مشروطة بأن يدرك العقل من جانب الشارع فلسفة الحكم من المصلحة والمفسدة ثمّ يحكم بحسنه أو قبحه فتكون قضية العكس هكذا : « كلّما حكم به الشرع ، حكم به العقل لو اطلع على حكمة حكم الشرع ».
في المسألة أقوال أربعة :
أحدها : أنّ الملازمة ثابتة من جانب الأصل والعكس معاً.
ثانيها : قول الأشاعرة وهو إنكار الملازمة مطلقاً.
ثالثها : قول صاحب الفصول من أنّ الملازمة ثابتة بين حسن التكليف بفعل أو قبحه وبين حكم الشارع ، لا بين حسن الفعل ( المكلّف به ) أو قبحه وبين حكم الشرع.
رابعها : التفصيل بين ما إذا تطابقت آراء العقلاء على حسن فعل أو قبحه وبين ما إذا لم تتطابق آراؤهم عليه ، والملازمة ثابتة في الصورة الاولى لا الثانية ( ويستفاد هذا من تضاعيف ما ذكره في اصول الفقه ) (١).
__________________
(١) اصول الفقه للعلاّمة المظفّر.