ولكن يمكن الجواب عنه :
أوّلاً : بأنّ هذا إنّما يتصوّر في ما إذا كان المطلق والمقيّد مثبتين وعلمنا بوحدة المطلوب كما في قولك : « إن ظاهرت فاعتق رقبة » و « إن ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة » ، وأمّا إذا كان أحدهما مثبتاً والآخر نافياً كما في قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) وقوله عليهالسلام : « نهى النبي عن بيع الغرر » فالمقيّد حينئذٍ هو نفس المنطوق وهو في المثال منطوق قوله عليهالسلام « نهى النبي عن بيع الغرر » لا مفهومه كما لا يخفى.
وثانياً : نقول في المثبتين أيضاً : إنّ المفهوم فيهما إنّما هو لأجل قرينية وحدة الحكم التي تستكشف من وحدة الشرط ( وهو « إن ظاهرت » في المثال ) وإلاّ لو لم يكن الشرط واحداً ولم تعلم وحدة الحكم كما في قولك : « أكرم العلماء » و « أكرم العلماء العدول » فلا مفهوم للجملة الثانية ، ولذلك لا تقيّد الاولى بالثانية بل إنّهما من قبيل تعدّد المطلوب كما صرّح به القوم في محلّه ، بل تصريحهم هذا دليل على عدم المفهوم في باب المطلق والمقيّد ، وعلى أنّ فهم المفهوم في مثال « إن ظاهرت » إنّما هو من باب وجود القرينة.
فظهر ممّا ذكرنا كلّه عدم تماميّة وجه من الوجوه التي استدلّوا بها على المفهوم ، ولكن مع ذلك كلّه يستفاد من الوجه الثاني دلالة الوصف على المفهوم غالباً لكون القيد إحترازيّاً في الغالب ، فلا بدّ حينئذٍ من ملاحظة المقامات والمناسبات ، وأنّ خصوصيّة المقام هل تكون قرينة على كون القيد إحترازيّاً أو لا؟
بقي هنا امور
الأمر الأوّل : فيما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام من أنّ دلالة القضيّة على المفهوم ترتكز على أن يكون القيد فيها راجعاً إلى الحكم دون الموضوع فإن رجع إلى الحكم فلها مفهوم وإلاّ فلا ، وقد مرّ تفصيل بيانه في الوجه الثاني من الوجهين اللذين استدلّ بهما منكروا المفهوم في المقام ، وأجبنا عنه هناك ، ونقول هنا أيضاً :
الإنصاف أنّ القيود بأسرها قيود للحكم وراجعة إلى الحكم إمّا بلا واسطة أو مع الواسطة ، حتّى في مثل قولنا : « في الغنم السائمة زكاة » يكون وصف « السائمة » قيداً للموضوع ( وهو الغنم )