وقد تلخّص من جميع ما ذكرنا امور :
الأوّل : أنّ القياس الظنّي لا دليل على حجّيته بل قام الدليل على عدم الحجيّة ، وهو الذي وقع النزاع فيه بين العامّة والخاصّة بل بين العامّة أنفسهم.
الثاني : أنّ القياس القطعي حجّة سواءً سمّي قياساً أو لم يسمّ ، وهو إمّا راجع إلى قياس الأولويّة ، أو قياس المنصوص العلّة ، أو تنقيح المناط ، أو المستقلاّت العقليّة وشبهها.
الثالث : أنّ العلّة المنصوصة في الرّوايات الواردة في علل الشرائع قد يراد بها العلّة التامّة ، وقد يراد بها العلّة الناقصة ، وتسمّى حكمة ، ويتوقّف تعيين أحدهما على ملاحظة لحن الرّوايات وتعبيراتها المختلفة والقرائن الموجودة الحاليّة والمقاليّة.
وهو في اللغة : « عدّ الشيء حسناً » لكنّه ليس المقصود في المقام.
وأمّا في الاصطلاح فقد نقل له عن العامّة معان مختلفة كثيرة :
منها : « إنّ الاستحسان ترك القياس والأخذ بما هو أوفق للناس » ، ويستفاد من هذا التعريف أنّهم حاولوا أن يعدّوا الاستحسان كاستثناء من القياس فخرجوا عن القياس فيما إذا كان تركه أوفق بحال الناس ، ولذلك كثيراً ما يقال في كلماتهم « أنّ القياس حجّة إلاّفي مورد الاستحسان » وحينئذٍ لا يعدّ دليلاً مستقلاً في القياس كما يشهد عليه عدم ذكر بعضهم إيّاه في الاصول.
ومنها : « أنّه هو الالتفات إلى المصلحة والعدل » وبناءً على هذا التعريف يعدّ الاستحسان أساساً مستقلاً للتشريع التقنين ، وسيأتي الفرق بينه وبين المصالح المرسلة.
ومنها : ما يشبه التعريف السابق ، وهو « أنّه ما يستحسنه المجتهد بعقله » وغير ذلك من التعاريف التي سيأتي ذكر بعضها في آخر البحث.
ثمّ إنّهم اختلفوا في حجّية الاستحسان وعدمها ، فحكي عن الشافعي والمالك جملتان :