المعلّمة بسؤر الحيوان المفترس ( الذي لا إشكال في نجاسته عندهم ) وحكمه بنجاسته فهو قياس جلي ، وقياس بعض آخر إيّاه بسؤر الإنسان والحكم بطهارته فهو قياس خفي ، وقد ذكروا هنا وجوهاً لرفع التعارض بين القياسين لا طائل تحتها ، وهذا المعنى من الاستحسان مبني على قبول حجّية القياس الظنّي وقد مرّ نفيه.
منها : أنّ الاستحسان بمعنى النصّ كما حكوا عن بعض أئمّتهم أنّه قال : إنّا أثبتنا الرجم بالاستحسان لكونه منصوصاً من طرق الفريقين فاطلق الاستحسان على النصّ.
منها : أنّ الاستحسان هو الأخذ بأقوى الدليلين وهو على أربعة أقسام :
١ ـ الأخذ بأقوى الظهورين مثل تقديم الخاصّ على العام ، أو النصّ على الظاهر ، وهذا داخل في باب حجّية الظواهر ولا كلام فيه.
٢ ـ الأخذ بالمرجّحات المنصوصة كالأخذ بما وافق الكتاب.
٣ ـ الأخذ بالأهمّ القطعي في مقابل المهمّ في باب التزاحم ، وهذا داخل في الدليل العقلي ولا إشكال فيه أيضاً.
٤ ـ الأخذ بالأقوى والأهمّ الظنّي ، وهو ليس حجّة عندنا مطلقاً إلاّما خرج بالدليل.
هذا كلّه في الاستحسان.
وقد ذكر لها معانٍ مختلفة بل لعلّها متضادّة لكن ما يستفاد من أكثر الأدلّة التي ذكرت لها هو أنّ المراد من المصالح هي مصالح العباد ومضارّهم على مذاقّ الشرع ، والمراد من المرسلة هي المصالح التي لم يرد فيها نصّ خاصّ ولا عامّ ، أي أنّها ارسلت واطلقت ولم يرد عليها شرع لا في العمومات ولا في الخصوصات ، ومثّل لها في كلمات الغزالي بتترس الكفّار بجماعة من أسارى المسلمين فلو كففنا عنهم لصدمونا وغلبوا على دار الإسلام وقتلوا كافّة المسلمين ، ثمّ يقتلون الاسارى أيضاً ، ولو رمينا الترس لقتلنا مسلماً معصوماً لم يذنب ذنباً ، وهذا لا عهد به في الشرع ، فيجوز لقائل أن يقول : هذا الأسير مقتول على كلّ حال فحفظ جميع المسلمين أقرب إلى مقصود الشرع ، فيحكم العقل هنا بوجوب رمي الترس من باب تقديم الأهمّ على المهمّ.