٤ ـ الكلام في مفهوم الحصر
إنّ للحصر أدوات :
منها : كلمة « إلاّ » الاستثنائيّة ( إذا وردت بعد النفي ) فقام الإجماع ووقع الاتّفاق فيها ( غير ما نسب إلى أبي جنيفة ) على انتفاء الحكم الثابت للمستثنى منه عن المستثنى ، والدليل عليه هو التبادر ، ففي قولك « ما جاء القوم إلاّزيداً » لا إشكال في أنّ المتبادر منه إخراج زيد عن حكم المجيء الثابت للقوم ، وهذا جارٍ في كلّ ما يعادل كلمة « إلاّ » في سائر اللغات.
ونسب الخلاف إلى أبي حنيفة ، وحكي إنّه احتجّ لمذهبه بقوله صلىاللهعليهوآله ، « لا صلاة إلاّبطهور » وقوله صلىاللهعليهوآله ، « لا صلاة إلاّبفاتحة الكتاب » إذ لو كان الاستثناء من النفي إثباتاً لزم كفاية الطهور أو الفاتحة في صدق الصّلاة ، وإن كانت فاقدة لباقي الشرائط والأجزاء ، وهو كما ترى.
واجيب عنه : بوجوه أحسنها أنّه غفل عن كلمة « الباء » في المثالين ، حيث إنّها فيهما بمعنى « مع » ومفادهما حينئذٍ : إنّ من شرائط صحّة الصّلاة فاتحة الكتاب والطهور ، نعم لو قيل : « لا صلاة إلاّفاتحة الكتاب » أو « لا صلاة إلاّ الطهور » من دون الباء كان لكلامه وجه.
سلّمنا ، ولكن الاستعمال أعمّ من الحقيقة والمجاز ، ومجرّد الاستعمال لا يكون دليلاً على الحقيقة أو المجاز ، بل الميزان في تشخيص أحدهما عن الآخر هو التبادر ونحوه من الإطّراد وغيره ، ولا إشكال في أنّ التبادر في ما نحن فيه يقضي على دلالة كلمة « إلاّ » على الاستثناء.
وللمحقّق النائيني رحمهالله هنا تفصيل مرّ منه في بعض الأبحاث السابقة أيضاً ، فإنّ المعيار الكلّي عنده في باب المفاهيم رجوع القيد إلى الحكم أو إلى الموضوع.
وبعبارة اخرى : رجوع القيد إلى الجملة أو إلى المفرد ، فإن رجع إلى الجملة فله المفهوم ، وإن رجع إلى المفرد فليس له المفهوم ، وهنا صرّح بأنّ كلمة « إلاّ » كلّما رجع إلى المفهوم الإفرادي فهي وصفية لا تدلّ على المفهوم ، وكلّما رجعت إلى المفهوم التركيبي فهي استثنائيّة تدلّ على