أنّه لو قلنا بعدم اشتراط دلالتها على العموم بالإرسال والإطلاق واستفادة العموم من النكرة من دون إجراء مقدّمات الحكمة لدلّت على العموم في صورة التقييد أو الإهمال أيضاً.
وقال في التهذيب ما حاصله : إنّ الطبيعة تنتفي بانتفاء الفرد كما توجد بوجوده ولا يحتاج انتفائها إلى انتفاء جميع الأفراد ، لأنّ الفاظ النفي والنهي وضعت لنفي مدخولها أو الزجر عنه ، والمدخول في ما نحن فيه هو اسم الجنس ، وهو موضوع لنفس الطبيعة بلا شرط ، فلا دلالة فيها على نفي الافراد التي هي المناط في صدق العموم ، ولا وضع على حدة للمركّب ، وقولنا : اعتق رقبة. وقولنا : لا تعتق رقبة سيّان في أنّ الماهيّة متعلّقة للحكم وفي عدم الدلالة على الأفراد وفي أنّ كلاًّ منهما محتاج إلى مقدّمات الحكمة حتّى يثبت أنّ ما يليه تمام الموضوع ، نعم هذا ممّا يقتضيه البرهان ، وأمّا العرف فيفرّق بين الموردين ويحكم بأنّ المهملة توجد بوجود فرد مّا وتنعدم بعدم جميع الأفراد (١).
أقول : الأولى في كلّ بحث سلوك الطريق اللائقة به ، ففي مباحث الألفاظ لابدّ من الرجوع إلى التبادر والمتفاهم العرفي لا إلى وجوه فلسفيّة وتدقيقات عقليّة ، وكذلك لابدّ من ملاحظة تراكيبها كما تلاحظ مفرداتها ، وفي المقام يجب الفات النظر إلى تركيب قول العربي بعد أن سرق ماله مثلاً : « لم يبق منه شيء » أو قوله تعالى حكاية قول بلقيس : ( ما كنت قاطعة أمراً حتّى تشهدون ) أو كلمة « لا إله إلاّ الله » وهكذا قوله « ولا تضاروهنّ ... » فهل يتبادر منها العموم أو لا؟ الإنصاف أنّ تركيب النكرة في سياق النفي أو النهي في أمثال هذه التراكيب يتبادر منه العموم من دون حاجة إلى مقدّمات الحكمة ، كما يشهد له الوجدان أيضاً.
فقد يقال فيها أيضاً أنّ دلالتها على العموم واستيعاب المدخول يتمّ بمعونة مقدّمات الحكمة المحرزة بها سعة المدخول وإرساله ، واستشهد لذلك بعدم دلالتها في صورة تقييد مدخولها على أزيد من المقدار المقيّد فقولك : « أكرم كلّ رجل عالم » يدلّ على إكرام الرجال العدول فقط لا مطلق الرجال.
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٨ ، طبع مهر.