الكلام في الأقل والأكثر الارتباطيين
إذا شككنا في أنّ الواجب في الصّلاة مثلاً هل هو تسعة أجزاء ( من دون وجوب السورة ) أو عشرة أجزاء ، فهل يجب عليه الاحتياط ، أو لا؟
وينبغي قبل الورود في أصل البحث بيان الفرق بين الأقلّ والأكثر الإرتباطيين ، والأقلّ والأكثر الاستقلاليين ، وأنّ الملاك فيه هل هو تعدّد الأغراض ووحدتها ، أو تعدّد التكاليف ووحدتها؟
ذهب في تهذيب الاصول إلى الأوّل وقال : إنّ الأقل في الاستقلالي مغاير للأكثر غرضاً وملاكاً وأمراً وتكليفاً ، كالفائتة المردّدة بين الواحد وما فوقها ، والدين المردّد بين الدرهم والدرهمين ، فهنا أغراض وموضوعات وأوامر وأحكام على تقدير وجوب الأكثر ... وأمّا الإرتباطي فالغرض قائم بالأجزاء الواقعيّة ، فلو كان الواجب هو الأكثر فالأقل خالٍ عن الغرض والأثر المطلوب ... إلى أن قال : « ومن ذلك يظهر أنّ ملاك الاستقلاليّة والإرتباطيّة باعتبار الغرض القائم بالموضوع قبل تعلّق الأمر » ، ثمّ استدلّ لضعف القول بأنّ الملاك إنّما هو وحدة التكليف وكثرته بقوله : « ضرورة أنّ وحدته وكثرته ( وحدة التكليف وكثرته ) بإعتبار الغرض الباعث على التكليف ، فلا معنى لجعل المتأخّر عن الملاك الواقعي ملاكاً لتمييزهما » (١).
أقول : الصحيح هو الثاني ، أي الميزان هو وحدة التكليف وتعدّده ، وذلك لأنّه ليست الأغراض غالباً في متناول أيدينا ، ولا يمكن لنا الظفر بها والعثور عليها ، بل الواصل إلينا والموجود بأيدينا إنّما هو الأوامر والنواهي المتعلّقة بالمركّبات الشرعيّة ، فالمركّب الإرتباطي ما يتألّف من أشياء تكون الأوامر المتعلّقة بها أمراً واحداً حقيقة منبسطاً عليها ، فتكون بينها ملازمة ثبوتاً وسقوطاً ، وأمّا المركّب الاستقلالي فهو ما يتألّف من أشياء تتعلّق بها أوامر تكون لكلّ منها إطاعة مستقلّة ، فلا ملازمة بينها ثبوتاً وسقوطاً ، هذا مضافاً إلى أنّ ما ذكره لا يصحّ بناءً على مقالة النافين للأغراض.
إذا عرفت هذا فلندخل في أصل البحث فنقول : يقع الكلام في الأقلّ والأكثر
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٣٢١ و ٣٢٢ ، طبع جماعة المدرّسين.