الثالثة : فيما إذا حصل لنا العلم من ناحية دليل خارجي كالإجماع ونحوه بعدم حصول غرض المولى فيجب الاحتياط حتّى يعلم بحصوله.
وفي غير هذه الموارد لا يجب تحصيل الغرض ، ولا دليل على وجوبه ، وإنّما الواجب على المكلّف الإتيان بالتكاليف الواصلة وامتثال الأوامر والنواهي الثابتة ، فإنّها هى حلقة الإتّصال بين المولى والعبد ، ولا علم للعبد بأغراض المولى ، لأنّ أغراضه تحت إختياره ومربوطة به ، ولا ربط للعبد بها إلاّفي ما ذكر ، فيدور أمره في غيره مدار الإبلاغ والوصول. هذا أوّلاً.
وثانياً : قد وقع في هذا الوجه الخلط بين قصد الوجه وقصد الجزم ، فإنّ قصد الوجه حاصل في المقام لأنّه يأتي بالأكثر بقصد الوجوب لكن لا جزماً بل احتمالاً ، فالمفقود هو قصد الجزم ( لا قصد الوجه ) ، ولا دليل على اعتباره ، ولذلك اخترنا إمكان الاحتياط في العبادات ، ولو سلّمنا باعتبار قصد الجزم فإنّه منحصر بصورة التمكّن عنه ، والمقام ليس كذلك.
ثالثاً : في قول المستدلّ من أنّ المصلحة قد تكون في نفس الإنشاء : إن كان المقصود إمكان تصوّر ذلك في مقام الثبوت فلا إشكال في إمكانه ، وإلاّ فإنّا لم نظفر به في الشرعيّات في مقام الإثبات حتّى في مورد واحد.
نعم قد يتوهّم بوجوده في ثلاثة موارد :
أحدها : الأوامر الامتحانيّة كما في قصّة ذبح إسماعيل عليهالسلام.
والصحيح أنّ المصلحة فيها أيضاً في نفس العمل لا في خصوص الإنشاء : فإنّ في قصّته عليهالسلام وإن لم تكن المصلحة في المأمور به المباشري وهو الذبح ، لكنّها كانت موجودة في مقدّماته وفعل التهيّؤ للذبح والإقدام به ، ولعلّ المأمور به الواقعي عند المولى كان هو الإتيان بمقدّمات الذبح الدالّة على كمال إيثار الخليل والذبيح وإخلاصهما ، كما يشهد عليه قوله تعالى ( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ) كما لا يخفى.
ثانيها : الأوامر الجزائيّة كما في قصّة البقرة لنبي إسرائيل فقد ورد في الحديث : « ولكن شدّدوا فشدّ الله عليهم » (١) فإنّ ظاهره عدم وجود المصلحة في لونها وسنّها ، بل المصلحة كانت في مجازاتهم بالتضييق عليهم.
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٣ ، ص ٢٦٢ ، ح ٢.