وفيه : أنّ البراءة مقدّمة على الإشتغال لأنّها في محلّ الكلام بمنزلة الأصل السببي ، وأصالة الاشتغال أصل مسبّبي ، لأنّ منشأ الشكّ في فراغ الذمّة إنّما هو الشكّ في جزئية السورة مثلاً ، وهو يرتفع بجريان البراءة فيرتفع موضوع أصالة الاشتغال.
ثانيهما : أنّ الشكّ في المقام يرجع إلى الشكّ في المحصّل ، لأنّ المأمور به وهو عنوان الصّلاة مثلاً عنوان بسيط ، ولا نعلم أنّه هل يحصل بإتيان تسعة أجزاء ، أو لا؟ فلابدّ لإحرازه من إتيان الجزء العاشر أيضاً.
وفيه : أنّه ليست الصّلاة أمراً خارجاً وراء الاجزاء ، حاصلاً منها ومسبّباً عنها حتّى يكون الشكّ شكّاً في المحصّل ، بل إنّما هى عين الاجزاء ، والأمر بها منبسط على الاجزاء.
هذا كلّه في الجهة الاولى ، وهى ما إذا كان الأقل والأكثر من قبيل الجزء والكلّ.
( في ما إذا كان الأقل والأكثر من قبيل الشرط والمشروط ، وكان منشأ انتزاع الشرطيّة أمراً خارجاً عن المشروط مبايناً له في الوجود كالطهارة بالنسبة إلى الصّلاة ).
وقد ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله هنا أيضاً إلى التفصيل بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة كما ذهب إليه في المقام الثالث الآتي أيضاً ( وهو الشكّ في القيود ) فقال بجريان البراءة شرعاً وعدم جريانها عقلاً بناءً على مسلكه المتقدّم في المقام الأوّل ( الشكّ في الأجزاء ) ، وادّعى أنّ عدم جريان البراءة العقليّة في الشرائط والقيود أظهر من عدم جريانها في الأجزاء بدعوى أنّ الإنحلال المتوهّم ( هناك بتقريب كون الأقل ممّا علم وجوبه تفصيلاً إمّا نفسياً أو مقدّمياً ) لا يكاد يتوهّم في المقام ، فإنّ الجزء الخارجي ممّا يمكن فيه دعوى اتّصافه بالوجوب الغيري المقدّمي ، إذ لكلّ جزء خارجي وجود آخر مستقلّ غير وجود الجزء الآخر وإن كان العرف يرى للمجموع وجوداً واحداً ، بخلاف الجزء التحليلي المتصوّر في المقام كالتقيّد والاشتراط فلا وجود له خارجاً غير وجود المجموع الواجب بالوجوب النفسي الاستقلالي ، فلا يتّصف بالوجوب حتّى الوجوب النفسي الضمني. هذا في البراءة العقليّة.
وأمّا البراءة النقليّة فقد فصّل فيها بين الشرائط والقيود ، وقال بجريانها في الشرائط