بقي هنا شيء :
وهو ما ذكره المحقّق الخراساني رحمهالله في ذيل البحث عن الأقل والأكثر الارتباطيين من أنّه إذا دار الأمر بين جزئيّة شيء أو شرطيّته ، وبين مانعيته أو قاطعيته لكان من قبيل المتباينين ولا يكاد يكون من الدوران بين المحذورين ، فيكون الواجب الاحتياط ( خلافاً لما ربّما يظهر من الشيخ الأنصاري رحمهالله من كونه من الدوران بين المحذورين ، وأنّ الأقوى فيه هو التخيير ).
أقول : الفرق بين المانع والقاطع أنّ الأوّل يمنع عن تأثير المقتضي فيقابل الشرط الذي يكمّل اقتضاء المقتضي ، ويوجب إتمام تأثيره ، وأمّا الثاني فهو ما يتخلّل بين الأجزاء ويقطع المقتضي ، فهو يمنع عن وجود المقتضي ، بينما الأوّل يمنع عن تأثيره بعد وجوده.
وكيف كان ، الحقّ مع المحقّق الخراساني رحمهالله ، أي يكون المقام من قبيل دوران الأمر بين المتباينين ، لأنّ دوران الأمر بين المحذورين يتصوّر بالنسبة إلى العمل الواحد ، وفي ما نحن فيه يمكن إتيان العمل مرّتين ، أي تكرار العبادة بقصد الرجاء ، وفعلها تارةً مع ذلك الشيء المشكوك ، واخرى بدونه.
إلى هنا تمّ البحث عن المقام الثاني من المقامات الثلاثة لمبحث الاشتغال ( وهو دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين.
الظاهر قيام الإجماع على البراءة عن الأكثر فيه ، ووجهه واضح ، لرجوعه إلى الشبهة البدويّة بالنسبة إلى الأكثر ، كما إذا دار الأمر في الصلوات الفائتة بين عشر صلوات وخمس عشرة ، ( هذا في الشبهة الموضوعيّة ) ، وكما إذا علمنا بفوات عدّة صلوات يوميّة وغيرها كصلاة الآيات ، وشككنا في وجوب قضاء غير اليومية ( وهذا في الشبهة الحكميّة ) فتجري البراءة بالنسبة إلى خمس صلوات في المثال الأوّل وبالنسبة إلى غير اليومية في المثال الثاني.
نعم ، إذا كان في البين أصل موضوعي يوجب ارتفاع موضوع البراءة فلا إشكال في تقدّمه عليها وعدم الحاجة إلى جريانها ، كما إذا علمنا بفوات الصّلاة في يومين ، وشككنا في فواتها في يوم ثالث ، فتجري حينئذ أصالة عدم الإتيان ( استصحاب عدم الإتيان ) ويثبت