أنّ إباحة الجلد والوبر في مثال الحيوان المشكوك الحلّية هى من آثار عدم الحرمة في الواقع ، ففي هذه الصورة أيضاً لا تجري أصالة الإباحة لأنّها تثبت الإباحة الظاهرية لا الواقعية.
فظهر أنّ كلام الفاضل التوني رحمهالله بالنسبة إلى هذا الشرط تام إذا كان مراده منه الصورتين الأخيرتين ، نعم إنّه لا يختصّ بأصالة البراءة ، بل هو جارٍ في سائر الاصول العمليّة حتّى الاستصحاب ، فإنّها لا تجري في ما إذا كانت مثبتة ، وفيما إذا كان الأثر الشرعي مترتّباً على الحكم الواقعي.
أمّا الشرط الثاني : فهو أيضاً لا اختصاص له بأصالة البراءة فكلّ أصل عملي لا يجري إذا أوجب الضرر ، هذا مضافاً إلى أنّه لا يختصّ بقاعدة لا ضرر بل يعمّ سائر الأدلّة الاجتهاديّة فإنّها مقدّمة على الاصول العمليّة.
وإن شئت قلت : لا ينبغي عدّ هذا الشرط من شرائط جريان الاصول ، إذ مع وجود الأدلّة الاجتهاديّة ينتفي موضوع الاصول العمليّة وهو الشكّ ، ولا مجال حينئذٍ للرجوع إلى الأصل.
وأمّا الأمثلة المذكورة في كلام الفاضل التوني رحمهالله فهى أجنبية عمّا نحن فيه ، لأنّ المرجع فيها قاعدة الإتلاف والضمان ، لإطلاق قوله عليهالسلام : « من أتلف مال الغير فهو له ضامن » فيشمل الإتلاف المباشري والتسبيبي ، لصدق الإتلاف عليهما عرفاً ، وما نحن فيه من قبيل الثاني.
قد عنون كثير من الأعاظم تبعاً للشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني صلى الله عليه وسلم بمناسبة كلام الفاضل التوني رحمهالله قاعدة لا ضرر ، حيث عقدوها للبحث بعنوان أنّها قاعدة فقهيّة ، كما أنّ جماعة منهم كتبوا لها رسائل مستقلّة ، ونحن نتعرّض لها هنا أيضاً اقتفاءً لآثارهم.
ولكن قبل الورود في البحث عن أصل القاعدة تنبغي الإشارة إلى أمرين :
الأوّل : أنّ القواعد الفقهيّة مع كثرتها وأهميّتها لها مصير مؤسف ، فقد تعنونت عدّة منها في الكتب الاصوليّة للمتأخّرين كقاعدة لا ضرر وقاعدة الفراغ والتجاوز ، والقرعة ، والميسور ، وعدّة اخرى في الكتب الفقهيّة كقاعدة ما لا يضمن وقاعدة اللزوم في أبواب المعاملات ، ولكن قسم عظيم منها لم يُبحث عنها لا في الفقه ولا في الاصول مع كثرة استدلالهم بها وشدّة