حاجتهم إليها في طيّات كتب الفقه وشتّى أبواب العبادات والمعاملات (١) ، فكان من حقّها أن تفرد من علمي الاصول والفقه ، وتبحث بصورة مستقلّة وفي علم مستقلّ ، كما صنّفناه في كتابنا الموسوم بالقواعد الفقهيّة ، فبحثنا فيه عن مهمّاتها وهى ثلاثون قاعدة.
الثاني : في تعريف القاعدة الفقهيّة ووجه إفتراقها عن المسائل الاصوليّة والفقهيّة.
ولابدّ أوّلاً من الإشارة الإجماليّة إلى تعريف المسائل الاصوليّة والفقهيّة ، فنقول :
أمّا المسائل الاصوليّة فالمشهور إنّها « قواعد تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة » وفي كلمات بعضهم « هى القواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة » وفي كلمات بعض آخر : « هى قضايا تقع كبرى لقياس يستفاد منها حكم شرعي » والمختار عندنا ( كما ذكرنا في محلّه ) إنّها « القواعد التي لا تشتمل على حكم شرعي وتقع في طريق استنتاج الأحكام الكلّية الفرعيّة الإلهيّة أو الوظيفة العمليّة ».
وأمّا المسائل الفقهيّة فهى : « ما يشتمل على حكم شرعي في موضوع خاصّ أمّا تكليفي أو وضعي ».
وأمّا القواعد الفقهيّة فهى كالبرازخ بينهما وامور تكون بنفسها من الأحكام الشرعيّة الفرعيّة ( إثباتاً أو نفياً ) لا أنّها تقع في طريق استنباط الأحكام الشرعيّة حتّى تدخل في المسائل الاصوليّة ، بل تكون أحكاماً فرعية كلّية لا تختصّ بباب دون باب ، وتجري في أبواب مختلفة ، وليست أحكاماً جزئيّة لموضوعات خاصّة حتّى تدخل في المسائل الفقهيّة وتكون معدّة للورود في الرسائل العمليّة والوصول إلى أيدي المقلّدين مباشرة.
وهى على أقسام عديدة : فقسم منها ما يكون جارياً في جميع أبواب الفقه كقاعدة لا ضرر ولا حرج ، وقسم منها يختصّ بكتاب خاصّ كقاعدة لا تعاد التي تختصّ بكتاب الصّلاة مع سريانها في أبواب مختلفة منها ، وقاعدة الطهارة المختصّة بكتاب الطهارة ، وقسم ثالث منها
__________________
(١) ولقد أجاد شيخنا الاستاذ دام ظلّه حيث قال في هذا المجال : « من أهمّ ما يجب على الفقيه تحقيقه والبحث عنه هى القواعد الفقهيّة التي تكون ذريعة للوصول إلى أحكام كثيرة من أوّل الفقه إلى آخره ، وتبتني عليها فروع هامّة في شتّى المباحث والأبواب ، لكن ـ رغماً لهذا الموقف ـ لم يبحث عنها بما يليق بها ، ولم يؤدّ حقّها من البحث ... ( إلى أن قال ) فأصبحت هذه القواعد النفيسة كالمشرّدين لا تأوي داراً ولا تجد قراراً ، لا تعدّ من الاصول ولا من الفقه ، مع أنّ من حقّها أن يفرد لها علم مستقلّ ... » القواعد الفقهيّة : ج ١ ، ص ١١.