وثالثاً : نفس قضيّة سمرة ، حيث إنّه أراد أن يستند في عمله إلى قاعدة السلطنة ولكن الرسول صلىاللهعليهوآله منعه عن ذلك وحكم بقاعدة لا ضرر ، وكذلك في حديث الشفعة وحديث منع فضل الماء ، فقدّمت قاعدة لا ضرر فيهما أيضاً على قاعدة السلطنة ، وهكذا في الموارد الخاصّة الواردة في الكتاب والسنّة ، حيث إنّها أيضاً قدّمت على الإطلاقات الواردة في مواردها كإطلاق الدليل الدالّ على جواز الرجوع في العدّة أو اطلاق الدليل الدالّ على جواز الاكتفاء بمقدار الواجب في النفقة والسكنى وغير ذلك.
وأمّا بناءً على مبنى شيخ الشريعة رحمهالله أو بناءً على مبنى من قال بإرادة نفي صفة عدم التدارك فلا يبقى وجه لحكومة القاعدة ، فإنّه بناءً على الأوّل يكون النهي الوارد في الحديث كسائر النواهي الشرعيّة الواردة في مواردها التي لا نظر لها إلى سائر الأحكام ، وبناءً على الثاني يكون الحديث دليلاً على اشتغال ذمّة الأنصاري بغرامة ضرره ، فيختصّ حينئذٍ بموارد الغرامات ، ويقدّم على العمومات الدالّة على براءة الذمّة ، لكن لا من باب الحكومة ، بل إمّا من باب إبائه عن التخصيص ، أو من باب عدم بقاء مورد له على فرض عدم التقديم.
وهو ما وعدناه سابقاً حين البحث عن مقالة الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله.
فنقول : ربّما يقال بأنّها موهونة بكثرة تخصيصها بأحكام ضرريّة كثيرة في الشريعة المقدّسة كوجوب الأخماس والزكوات وأداء الديّات وتحمّل الخسارات عند الإتلاف والضمانات ، ووجوب الجهاد والحجّ وتحمّل الحدود والقصاص ، فلابدّ حينئذٍ الاقتصار على موارد عمل الأصحاب بها ، واقتضاء آثارهم لا سيّما الأقدمين منهم فنعمل فيما عملوا بها ، لأنّه يظهر حينئذٍ أنّ المراد من الحديث ليس ما هو الظاهر منه عندنا ، بل كان هو محفوفاً بقرينة لا يلزم منه التخصيص الكثير ، وقد ظفر قدماء الأصحاب بها وخفيت علينا ، فلا مناصّ لنا من الإهتداء بهم.
وقد سلك الأعلام في الجواب عن هذا مسالك عديدة :
منها : ما ذكره شيخنا الأنصاري رحمهالله من أنّه ليس تخصيصاً بالأكثر بل إنّه تخصيص