إذا كان التفاوت بين الضررين أقلّ قليل بحيث تكون القاعدة منصرفة عنه عند العرف.
وقسم يكون أحد الضررين أقوى من الآخر بحيث يحكم العرف بعدم شمول القاعدة للأضعف بعد الكسر والانكسار ، فلا إشكال أيضاً في جريان القاعدة في خصوص الأقوى.
أمّا المقام الثاني فهو أيضاً على قسمين :
أولاً : يكون التعارض بين الضررين بالنسبة إلى مالكين ، كما في مثال إدخال الدابّة رأسها في قدر مالك آخر ، أو بالنسبة إلى غير المالك ، كما إذا كان تغيير مسير نهر عام موجباً للاضرار بقرية ، وعدم تغييره موجباً للاضرار بقرية اخرى ، ففي هذه الصورة أيضاً إمّا أن تجري القاعدة في الطرفين ثمّ تتساقط ، أو لا تجري رأساً من باب إنّ أدلّة القاعدة منصرفة عنها ، لأنّها حكم امتناني ولا امتنان فيها ، فلابدّ حينئذٍ من الرجوع إلى قاعدة عقلائية اخرى ، وهى قاعدة العدل والإنصاف ، أو قاعدة الجمع بين الحقّين ، فيتعيّن أحد الضررين بالقرعة ثمّ تقسّم الخسارة بين الطرفين ، نعم هذا إذا لم يكن أحدهما مقصّراً ، وإلاّ فعلى المقصّر تحمّل الخسارة كلّها.
هذا كلّه إذا كان الضرران متساويين ، وأمّا إذا كان أحدهما أقوى من الآخر فليس المرجع حينئذٍ القرعة ، بل لابدّ فيه من الأخذ بالأضعف وتعيين مقدار الخسارة فيه ، ثمّ تقسيمها بينهما ، كما إذا كان إخراج الدابّة عن الدار متوقّفاً على قلع باب الدار فحسب إذا كانت قيمة الدابّة أكثر من خسارة قلع الباب ونصبه ثانياً.
هذه هى الصورة الاولى ، والعجب كيف لم يتعرّض الفقهاء إلى لزوم تقسيم الخسارة فيها بين الطرفين.
ثانياً : يكون التعارض بين ضرر مالك وغير المالك ، والأمثلة المذكورة لهذه الصورة أكثرها خارجة عمّا نحن فيه ، كمثال جعل دار مطبخة أو مدبغة أو بيت حدّاد في سوق العطّارين ، فإنّها ليست مشمولة لقاعدة السلطنة عند العقلاء حتّى نحتاج إلى تضييقها بقاعدة لا ضرر ، لأنّ قاعدة السلطنة قاعدة عقلائيّة ، لها حدود وقيود ونطاق معلوم ، ومن تجاوز عنها عدّ متجاوزاً على حقوق الآخرين ، فليست القاعدة عندهم مطلقة من جميع النواحي ، ومن الواضح أنّ ما ورد في لسان الشرع بالنسبة إلى هذه القاعدة يكون إمضاء لما عند العقلاء بما لها من الحدود والقيود.