ومنها : ما اختاره المحقّق النائيني رحمهالله وهو أنّ « الاستصحاب عبارة عن عدم إنتقاض يقين سابق المتعلّق بالحكم أو الموضوع من حيث الأثر ، والجري العملي بالشكّ في بقاء متعلّق اليقين » (١).
وهذا التعريف مضافاً إلى كونه تطويلاً بلا دليل لا يناسب مقام التعريف ، يرد عليه ما أوردناه على تعريف المحقّق الخراساني رحمهالله من شموله لما إذا كان عدم انتقاض اليقين السابق مستنداً إلى دليل خاصّ ، مضافاً إلى أنّ الصحيح أن يعبّر بعدم النقض لا عدم الانتقاض لأنّ الاستصحاب فعل من أفعال الفقيه.
فالحقّ والصحيح في تعريف الاستصحاب ما مرّ من تعريف المحقّق الخراساني رحمهالله بإضافة القيد المزبور ، أي « الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شكّ في بقائه من دون قيام دليل خاصّ عليه ».
وقد حكم بعض بكونه من المسائل الاصوليّة بتّاً ويقيناً ، وفصّل بعض آخر بين الاستصحاب في الشبهات الحكميّة والاستصحاب في الشبهات الموضوعيّة ، فحكم بأنّه اصوليّة في الأوّل ، وقاعدة فقهيّة في الثاني.
والصحيح أنّه يختلف باختلاف مجاريه الثلاثة : فتارةً يكون المستصحب من الموضوعات ككرّية الماء وعدالة زيد ، فلا إشكال حينئذٍ في كونه من القواعد الفقهيّة لا من المسائل الاصوليّة ، لعدم كون النتيجة فيهما حكماً كليّاً كما لا يخفى ولا من المسائل الفرعيّة الفقهيّة التي أمرها بيد المقلّد ، لأنّ تشخيص موارد جريانها وموارد عدم جريانها لوجود معارض أو حاكم مثلاً إنّما هو بيد المجتهد.
إن قلت : الميزان في كون مسألة من القواعد الفقهيّة كونها حكماً كليّاً قابلاً للانطباق على مصاديق كثيرة ، وهو لا يتصوّر في الموضوعات.
__________________
(١) فوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٣٠٧ ، طبع جماعة المدرّسين.