والأمارات الشرعيّة أساساً عقلائياً ، وما قد يتوهّم من أنّه ليس لهم إلاّ الأمارات كلام باطل ، وليكن هذا على ذكر منك حتّى نتلو عليك منه ذكراً.
وثانياً : ( بالنسبة إلى قوله بعدم وجود معيار للأماريّة في الاستصحاب ، وأنّ مجرّد اليقين السابق غير كافٍ فيها ) فلأنّه يمكن أن يقال : إنّ معيار الأماريّة في الاستصحاب إنّما هو الغلبة ، فإنّ الغلبة في موت الأفراد وحياتهم على الحياة ، وفي السلامة والمرض على السلامة ، وفي الطرق والأماكن ونظائرهما على البقاء على حالها.
نعم هذا كلّه في الموضوعات والشبهات الموضوعيّة ، كما أنّ تمام ما ذكرنا من الأمثلة كحياة زيد ووكالة عمر والملكية والزوجيّة وغيرها كانت من الموضوعات الخارجية ، وأمّا الشبهات الحكميّة والأحكام الكلّية فإن كان الشكّ في نسخها كان بناء العقلاء على عدم النسخ ما لم يثبت جعل قانون جديد ، وأمّا بالنسبة إلى غير النسخ من مناشٍ اخر للشكّ في بقاء الحكم كما إذا قرّرت الحكومة وضع ضرائب على العنب وشكّ في بقائها بعد تبدّل العنب إلى الزبيب ( بناءً على أنّه من الحالات لا من المقوّمات ) فلا يستصحب أحد من العقلاء بقاء تلك الضرائب كما لا يخفى ، وسيوافيك لذلك مزيد توضيح في محلّه إن شاء الله.
وقد قال الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله في هذا المجال : « إنّا تتبّعنا موارد الشكّ في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع فلم نجد من أوّل الفقه إلى آخره مورداً إلاّوحكم الشارع فيه بالبقاء ، إلاّمع أمارة توجب الظنّ بالخلاف كالحكم بنجاسة البلل الخارج قبل الاستبراء ، فإنّ الحكم بها ليس لعدم اعتبار الحالة السابقة ، وإلاّ لوجب الحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة ، بل لغلبة بقاء جزء من البول أو المني في المخرج ، فرجّح هذا الظاهر على الأصل ( وهو أصالة الطهارة ) كما في غسالة الحمّام عند بعض ، والبناء على الصحّة المستند إلى ظهور فعل المسلم ، والإنصاف أنّ هذا الاستقراء يكاد يفيد القطع » ( انتهى ).
أقول : ومن هذه الموارد حكم الشارع باستظهار الحائض بعد مضيّ أيّام العادة إلى عشرة أيّام فورد في الحديث : « تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة » أي تستصحب.