ومنها قوله عليهالسلام : « صم للرؤية وافطر للرؤية » الذي قد يقال بأنّ منشأه الاستصحاب.
لكن الإنصاف أنّ هذا الاستقراء ناقص جدّاً فكيف يحصل القطع في هذه المسألة المهمّة من ذكر أمثلة قليلة؟ مع ما فيها من الإشكال ، فقد يرد على المثال الأوّل من أنّه كما يحتمل أن يكون البلل الخارج قبل الاستبراء بولاً ، كذلك يحتمل أن يكون مذياً أو ودياً الذي لا إشكال في طهارته ولو قبل الإستبراء لأنّ الملاقاة في البواطن لا توجب النجاسة ، فالمعلوم حينئذٍ خروج القطرات البولية السابقة ووجود قطرات اخرى مقامها يشكّ أنّها من مصاديق البول أو المذي ، فلا يجري الاستصحاب فيها لأنّه حينئذٍ من قبيل استصحاب القسم الثالث من الكلّي ، وهو ليس بحجّة.
نقله الشيخ الأعظم رحمهالله عن مبادىء الوصول للعلاّمة رحمهالله وعن نهايته كما نقله أيضاً المحقّق الخراساني رحمهالله في الكفاية.
فقال في المبادىء : « الاستصحاب حجّة لإجماع الفقهاء على أنّه متى حصل حكم ثمّ وقع الشكّ في أنّه طرأ ما يزيله أم لا ، وجب الحكم ببقائه ، ولولا القول بأنّ الاستصحاب حجّة لكان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن من غير مرجّح » (١).
وظاهره العموم بالنسبة إلى فقهاء الفريقين ، وبالنسبة إلى الشبهة في النسخ وسائر الشبهات الحكميّة والموضوعيّة.
وقال في النهاية : « أنّ الفقهاء بأسرهم على كثرة اختلافهم اتّفقوا على إنّا متى تيقّنا حصول شيء ، وشككنا في حدوث المزيل له أخذنا بالمتيقّن ».
لكن لا كلام في عدم حجّية هذا النوع من الإجماع لكونه محتمل المدرك على الأقل ، ولعلّ مدركه ما مرّ من سيرة العقلاء أو الاستقراء أو ما سيأتي ذيلاً من الأخبار.
__________________
(١) مبادىء الوصول إلى علم الاصول : ص ٢٥١.