ومنها : أنّهم ظنّوا أنّها روايات خاصّة وردت في أبواب معيّنة لا يمكن الاستدلال بها على العموم ، وإنّ اللام في اليقين والشكّ إشارة إلى العهد لا الجنس ، كما مرّ احتماله سابقاً ، فمن هنا تركوا الاعتماد على هذه الروايات ورجعوا إلى بناء العقلاء ، وقد ثبت في محلّه أنّ إعراض المشهور عن الدلالة غير ضائر في الحجّية.
ثمّ إنّه هل المستفاد من هذه الأدلّة حجّية الاستصحاب في خصوص الشبهة الموضوعيّة ، أو إنّها تعمّ الشبهات الحكميّة أيضاً؟
ذهب إلى الثاني جميع المتأخّرين ، وذكر أنّ الأمين الاسترابادي في بعض كلماته أنّ أحداً من القدماء الماضين قدّس الله أسرارهم لم يقل بهذا العموم ، فلم يستندوا إلى الاستصحاب في بقاء حلّية العصر العنبي مثلاً بعد الغليان ، وبقاء نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره بنفسه.
والصحيح هو الأوّل كما ذهب إليه بعض أعاظم العصر قدّس الله سرّه ، وإن كان دليله الذي أقامه على الانحصار غير تامّ ( كما سيأتي بيانه وبيان المناقشة فيه ).
دليلنا عليه أمران :
أحدهما : أنّه قد مرّ أنّ أساس الاستصحاب إنّما هو سيرة العقلاء ، وهى جارية في خصوص الشبهات الموضوعيّة ، وأمّا الشبهات الحكميّة فإن كان الشكّ فيها في نسخ قانون وعدمه فلا ريب في أنّهم يتمسّكون باستصحاب عدم النسخ أيضاً ، وأمّا إذا لم يكن منشأ الشبهة النسخ ، بل شكّ في بقاء الحكم وعدمه ، ولم يكن هناك عموم أو اطلاق ، كما إذا جعلت زكاة على العنب وبعد تبدّله إلى الزبيب شكّ في بقائه مثلاً ( مع فرض كون وصف الزبيبيّة من الأوصاف لا من المقوّمات ) فإنّ العقلاء لا يعتمدون في مثل هذه الموارد على استصحاب بقاء ذلك الحكم.
ثانيهما : أنّ الوجدان حاكم على أنّه لو عشنا نحن في عصر صدور أخبار الاستصحاب مكان زرارة لم نشكّ في وجوب الفحص عن الحكم في الشبهات الحكميّة بالسؤال عن الإمام عليهالسلام ، ولم نحتمل جواز التمسّك بالاستصحاب بمجرّد الشكّ في بقاء حلّية العصر العنبي بعد