الغليان مثلاً ، أو بقاء نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره بنفسه.
وإن شئت قلت : حيث إنّ الفحص والسؤال عن المعصوم كان ممكناً في عصر الأخبار غالباً لا سيّما للرواة ، ولم تمسّ الحاجة غالباً إلى جريان الاستصحاب فيمكن أن يقال حينئذٍ بإنصراف أخبار الاستصحاب عن الشبهات الحكميّة ، ولذلك إعترف الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله في مبحث الاحتياط أنّ الأخبار الدالّة على وجوب الاحتياط ناظرة إلى زمن الحضور ، كما أنّه قد ورد في بعضها التعبير بـ « إذا أصبتم بمثل هذا فعليكم الاحتياط حتّى تسألوا وتعلموا ».
وكيف كان ، لا أقل من الشكّ في اطلاق أخبار الاستصحاب أو عمومها بالنسبة إلى الشبهات الحكميّة ، وهذا كافٍ في عدم جواز الاستدلال بها على العموم.
ويؤيّد ذلك أنّ مورد جميع الروايات خاصّ بالشبهات الموضوعيّة ، كالسؤال عن إصابة النجاسة بالثوب ووقوع النوم وعدمه في روايات زرارة ، وعن يوم الشكّ في شهر رمضان في خبر علي بن محمّد القاساني ، وهكذا في رواية الشكّ في الركعات.
ثمّ إنّ بعض أعاظم العصر قدّس الله سرّه استدلّ لعدم حجّية الاستصحاب في الشبهات الحكميّة بما حاصله : إنّ الاستصحاب في الأحكام الكلّية معارض بمثله دائماً.
وإليك ملخّص ما أفاده في توضيح ذلك في كلام طويل له في المقام :
إنّ للأحكام مرحلتين : مرحلة الإنشاء والجعل ، ومرحلة الفعلية والمجعول ، مثلاً الشارع ينشأ وجوب الحجّ على المستطيع مع عدم وجود مكلّف أو مستطيع ، فهنا إنشاء الحكم على موضوعه وإن كانت الشرائط غير موجودة والموانع غير مفقودة ، فإذا وجد الموضوع واجتمعت الشرائط وفقدت الموانع صار فعليّاً.
والاستصحابات الحكميّة معارضة دائماً بالاستصحاب العدمي في مرحلة الجعل والإنشاء ، فالمرأة إذا طهرت من الدم ولم تغتسل جرى في حقّها استصحاب بقاء حرمة الوطي ، ولكنّه معارض بعدم جعل الحرمة من أوّل الأمر فيما زاد على زمان الدم ، فيتعارض الاستصحابان ويسقطان من الجانبين.