بقي هنا شيء :
وهى عبارة عن جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعيّة على بعض المباني وعدم جريانه على بعض آخر ، فما منها من الامور التكوينيّة كالصحّة والفساد ( فإنّ الصحّة عبارة عن المطابقة مع المأمور به ، وهى أمر خارجي تكويني كما مرّ توضيحه ) فلا يمكن استصحابه ، كما لا يمكن استصحاب أثره وهو الاجزاء وإسقاط الإعادة والقضاء ، لأنّه أمر عقلي ، والاستصحاب يجري فيما إذا كان المستصحب أمراً شرعياً أو ذا أثر شرعي.
وما كان منتزعاً من الامور التكليفيّة كالجزئيّة والشرطيّة فلا إشكال في جريان الاستصحاب فيه باعتبار منشأ انتزاعه ، فإذا شككنا في بعض الأحوال في جزئية السورة مثلاً نستصحب وجوب السورة ونثبت بقاء الأمر المتعلّق بها بلا ريب.
وينبغي هنا ذكر ما مرّ من الشيخ الأعظم رحمهالله من مثال ضمان الصبي فإنّه قال : « إنّ معنى قولنا « إتلاف الصبي سبب لضمانه » أنّه يجب عليه غرامة المثل أو القيمة إذا إجتمع فيه شرائط التكليف ، فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل المؤسر بقوله « أغرم ما أتلفته في حال صغرك » إنتزع من هذا الخطاب معنى يعبّر عنه بسببيّة الإتلاف للضمان » وحاصله أنّ ضمان الصبي حكم وضعي ينتزع من الحكم التكليفي التعليقي.
ولا يخفى ما يرد عليه من أنّه كيف ينتزع الحكم الوضعي الفعلي من حكم تكليفي تعليقي؟ ( لأنّ الأحكام التكليفية تعليقية بالنسبة إلى الصبي ) فإمّا أن يقول بعدم ضمان الصبي في حال صغره فهو مخالف لظاهر كلمات القوم والأدلّة ، ولا نظنّ أن يلتزم به أحد ، وإمّا يقول بكونه ضامناً فعلاً ، وحينئذٍ لابدّ من انتزاعه عن حكم غير فعلي ، وهو كما ترى.
وما كان منها من الامور المجعولة بالأصالة كالملكية والوكالة وغيرهما فلا شكّ في جريان الاستصحاب فيه.
ثمّ إنّ للمحقّق الخراساني رحمهالله في ذيل هذا التنبيه إشكالاً وجواباً لا يخلو ذكرهما عن فائدة.
أمّا الإشكال فحاصله : أنّ الملكيّة كيف تكون من الأحكام الوضعيّة والاعتبارات الحاصلة بالجعل والإنشاء ، التي هى من الخارج المحمول ، أي ليس بحذائها شيء في الخارج