إذا علمنا بشرب حيوان من الإناء ، ودار أمره بين الكلب والخنزير ، فإن كان كلباً وجب التعفير والغسل مرتين بالماء القليل ، ولو كان خنزيراً وجب الغسل سبع مرّات من دون تعفير ، ففي هذه الصورة لا تصل النوبة إلى استصحاب كلّي الحدث لإثبات وجوب الوضوء والغسل معاً في المثال الأوّل ، ولإثبات وجوب رعاية ما إعتبر في التطهير من نجاسة الكلب والخنزير معاً في المثال الثاني ، بل تجري قاعدة الاحتياط والاشتغال فقط لإثبات وجوب رعاية كلا الأثرين.
أقول : هذا ـ ولكن الصحيح أنّ هذا النوع من الاستصحاب ليس من مصاديق استصحاب الكلّي بل إنّه في الواقع من قبيل استصحاب الفرد المبهم ، وإن شئت قلت : يجري استصحاب الفرد المبهم ويترتّب نفس ما يترتّب على استصحاب الكلّي ، ففي مثال العصفور والغراب مثلاً نشير إلى ذلك الفرد من الطائر المبهم الذي دخل الدار في ساعة كذا ورآه بعينه من دون معرفة حاله ، ويستصحب شخص ذلك الفرد المبهم ، ولعلّ مراد القائلين بالكلّي أيضاً ذلك.
ثمّ إنّه قد أورد على هذا القسم من استصحاب الكلّي بوجوه :
الوجه الأوّل : إختلال بعض أركان الاستصحاب فيه ، لدورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء وهو وجود الفرد القصير ، وما هو مشكوك الحدوث من الأوّل ، وهو الفرد الطويل المحكوم بالعدم بمقتضى الأصل.
واجيب عنه : بأنّ هذا كلّه ممّا يضرّ باستصحاب نفس الفرد الطويل أو القصير بعينه ، أي استصحاب خصوصية الفرد ، وأمّا استصحاب القدر المشترك بينهما فلا مانع منه وذلك لتحقّق أركانه من اليقين السابق والشكّ اللاحق وغيرهما من الامور المعتبرة في حجّية الاستصحاب.
الوجه الثاني : أنّ الشكّ في بقاء الكلّي مسبّب عن الشكّ في حدوث الفرد الطويل ، فإذا إرتفع الشكّ عن حدوثه تعبّداً باستصحاب عدم حدوثه علم بعدم بقاء الكلّي تعبّداً ، وذلك لحكومة الأصل السببي على الأصل المسبّبي.
وفيه أوّلاً : منع كون الشكّ في بقاء الكلّي مسبّباً عن الشكّ في حدوث الفرد الطويل لأنّ الكلّي عين الفرد خارجاً ولا تسبّب بينهما ، والمعتبر في أحكام السبب والمسبّب أن تكون حادثة خارجية مسبّبة عن حادثة اخرى ، ولازمه تعدّد الحادثتين.