الشرائع السابقة ( وهو جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة ) فإنّا لا نقبل جعل أحكام شريعة موسى عليهالسلام مثلاً على نحو تشمل الأفراد بعد انقضاء شريعته ، بل إنّما شرّعت لُامّة موسى عليهالسلام فقط.
وكذا الجواب الثاني عن الإشكال الثاني ( وهو قضيّة المدرك للشريعتين ) فهو أيضاً فاسد لأنّه بعد العلم بنسخ جميع أحكام الشريعة السابقة لا يبقى شكّ لمُدرك الشريعتين في عدم بقاء تلك الأحكام ، حتّى تتمّ أركان الاستصحاب بالنسبة إليه فيستصحبها.
هذا تمام الكلام في أصل جريان استصحاب أحكام الشريعة السابقة ، وقد ظهر من جميع ما ذكرنا عدم جريانه حتّى بناءً على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة فضلاً عن عدم جريانه فيها كما هو المختار.
ثمّ إنّه بناءً على جريان استصحاب الشرائع السابقة قد يقال : أنّ ثمرته تظهرفي موارد شتّى في الفقه :
١ ـ مسألة القرعة ، حيث يظهر من قصّة مريم في قوله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ) (١) ومن قصّة يونس في قوله تعالى : ( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ ) (٢) حجّية القرعة في خصوص موارد التشاحّ والمخاصمة والتنازع في شريعة زكريّا وشريعة يونس ، فيمكن إثباتها في هذه الشريعة بالإستصحاب.
نعم لا حاجة إلى هذا الاستصحاب لو فهمنا من مجرّد نقل القضيتين في كتاب الله إمضاء الشارع لحجّية القرعة ، ولكن أنّى لنا بإثبات ذلك؟
٢ ـ مسألة اعتبار قصد القربة في الأوامر وعدمه ، حيث يظهر من قوله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (٣) اعتبار قصد القربة في جميع أوامر الشرائع السابقة ، فإنّ الضمير في « امروا » راجع إلى أهل الكتاب ، فيستفاد منه أنّ الأصل في دوران الأمر بين
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٤٤.
(٢) سورة الصافات : الآية ١٤١.
(٣) سورة البيّنة : الآية ٥.