ثمّ إنّه هل اللازم بقاء الموضوع العقلي الدقّي أو الموضوع المأخوذ في لسان الدليل ، أو الموضع العرفي؟ ففيه وجوه ثلاثة.
إن قلت : لا معنى للتردّد بين هذه الامور الثلاثة فانّ من الواضح لزوم التبعية عن لسان الدليل ، وإنّما العقل كاشف عن حكم الشرع وليس مشرّعاً ، وكذلك العرف ، فلا يصحّ جعلهما في عرض لسان الدليل.
قلنا : ليس المراد من هذا الترديد كون العقل والعرف في مقابل الشرع ، بل المقصود منه إنّا إذا أردنا تطبيق ما ورد من جانب الشارع ( أي قوله : لا تنقض ... ) على مورد الاستصحاب كان المعتبر فيه هل الجمود على ظاهر الدليل ، أو ملاحظة ما يراه العقل بالنظر الدقّي ، أو ما يفهمه العرف؟
فإذا ورد من الشارع مثلاً « الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شيء » وشككنا في أنّ هذا الماء كرّ أم لا ( على نحو الشبهة الموضوعيّة ) مع أنّه كان في السابق كرّاً ، فهل الميزان في بقاء موضوع الكرّية أي عنوان « هذا الماء » نظر العرف حتّى يصدق قوله عليهالسلام « لا تنقض اليقين بالشكّ » لأنّ هذا الماء نفس ما كان سابقاً بنظر العرف ولا يضرّ أخذ مقدار من الماء بصدق عنوان « هذا » ، فيكون الموضوع باقياً فيجري الاستصحاب ، أو الميزان بقاء « هذا » بنظر العقل فلا ينطبق عليه قوله عليهالسلام : « لا تنقض ... » لأنّ هذا الماء غير ما كان سابقاً بالنظر العقلي الدقّي فلا يكون الموضوع باقياً فلا يجري الاستصحاب؟
وهكذا فيما إذا كان الشبهة حكميّة كما إذا صار الماء نجساً بالتغيّر ، والآن زال عنه التغيّر ، فإن كان المعيار نظر العقل فلا يكون الموضوع باقياً ، وإن كان هو نظر العرف يكون باقياً ، وإن كان الميزان الجمود على ما ورد في لسان الدليل وفرضنا أنّ الوارد فيه « أنّ الماء المتغيّر نجس » فقد تبدّل الموضوع بزوال التغيّر ، وإن فرضنا أنّ الوارد فيه « الماء نجس إذا تغيّر » فالموضوع باقٍ على حاله كما لا يخفى.
وإن شئت قلت : ( كما قاله بعض الأعلام ) : أنّ المقصود من هذا الترديد أنّه هل المرجع في بقاء الموضوع هو الدليل الأوّل ( الدالّ على المتيقّن سابقاً ) أي ما يدلّ على نجاسة الماء حين التغيّر ، حتّى يلاحظ ما ورد في لسانه من الموضوع وإنّه هل هو « الماء المتغيّر » أو « الماء » مطلقاً ،