التعبير بـ « لم يعلموا » لأنّه في معنى الماضي.
وبالجملة الرواية تامّة من ناحية الدلالة ، ولكنّها لا تصلح للاستدلال من ناحية السند.
بقي هنا شيء :
وهو أنّ الإنصاف أنّ النسبة بين هذه الرواية وأدلّة الأخباريين نسبة التعارض والتضادّ لا الورود لأنّها تدلّ على كون الجهل عذراً وتلك الأدلّة تدلّ ( بزعم الأخباري ) على عدمه.
وبعبارة اخرى : أنّ هذا الحديث يثبت السعة ما لم يعلم الواقع المجهول من الوجوب أو الحرمة ، ودليل الاحتياط يثبت الضيق مع كون الواقع مجهولاً فيتعارضان.
نعم لو كان وجوب الاحتياط نفسيّاً لم يكن بينهما تعارض ، بل ينتفي حينئذٍ بوجوب الاحتياط موضوع هذا الحديث لأنّ موضوعه شيء قد علم به المكلّف بوجوب الاحتياط ، فليس في سعة منه ، لكن الصحيح أنّ وجوب الاحتياط طريقي لأجل حفظ الأحكام الواقعية.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ التعبير بـ « لم يعلموا » ظاهر من عدم تمامية الحجّة ، أي الناس في سعة ما لم تتمّ الحجّة ، ودليل الاحتياط حجّة فيكون وارداً عليه.
لكنّه خلاف الظاهر ، لأنّ « ما لم يعلموا » ظاهر في عدم العلم بالحكم الواقعي ، والحكم الظاهري إنّما يوجب رفع التحيّر في مقام العمل فحسب لا العلم بالواقع.
وهو ما رواه محمّد بن علي بن الحسين قال : قال الصادق عليهالسلام : « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (١).
والحديث مرسل ، لكنّه من المرسلات التي يسندها الصدوق رحمهالله إلى المعصوم عليهالسلام بتعبيره « قال » لا « روى » ، وظاهره كون الصدور أمراً مقطوعاً عنده.
ولكن هذا ليس كافياً في إثبات الحجّية عندنا ، لأنّه استنباط لشخص الصدوق رحمهالله فلعلّه لو ذكر رجال السند لناقشنا في وثاقة بعضهم.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ج ١٨ ، الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ٦٠.