التنبيه التاسع عشر : تعارض الاستصحابين
وقد قسّمه المحقّق الخراساني رحمهالله إلى قسمين ، فإنّها تارةً يكونان من قبيل المتزاحمين ( وقد مرّ في مبحث اجتماع الأمر والنهي أنّ التزاحم عبارة عن كون كلا الدليلين ذا مصلحة واقعيّة ولكن المكلّف لا يقدر على إتيانهما معاً ) كما في غريقين نحتمل حياة كلّ منهما ، فمقتضى استصحاب حياتهما وجوب إنقاذ كليهما ولكن المكلّف لا يقدر إلاّعلى إنقاذ واحد منهما.
واخرى يكونان من قبيل المتعارضين كما إذا علمنا بطهارة أحد الإنائين اللذين كانا نجسين سابقاً فيجري استصحاب نجاسة كلّ واحد منهما مع العلم بمخالفة أحدهما للواقع ، وكذلك العكس وهو ما إذا كان الإناءان طاهرين سابقاً ثمّ علمنا بنجاسة أحدهما من غير تعيّن ، فإستصحاب طهارة كلّ واحد منهما يعارض استصحاب طهارة الآخر للعلم بكذب أحدهما.
أمّا القسم الأوّل : فقد ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله في هامش الكفاية إلى أنّ حكمه التخيير إلاّ أن يكون أحدهما أهمّ من الآخر فيقدّم ، كما إذا دار الأمر بين إنقاذ النبي وغيره ، أو دار الأمر بين انقاذ مسلم وذمّي ( بقاءً على وجوب إنقاذ الذمّي أيضاً ).
لكن الصحيح أنّه على أقسام أربعة :
فتارةً تكون النسبة بينهما التساوي ولا ترجيح لأحدهما على الآخر لا من ناحية المحتمل ولا من ناحية الاحتمال ، فالحكم حينئذٍ التخيير بلا إشكال.
واخرى يكون أحدهما أكثر احتمالاً من الآخر مع تساويهما في جانب المحتمل ، كما إذا كانت درجة احتمال نجاة أحدهما ثمانين في المائة ودرجة احتمال نجاة الآخر عشرين في المائة مع عدم ترجيح بينهما فيقدّم الأوّل على الثاني طبقاً لقاعدة الأهمّ والمهمّ.
وثالثة يكون أحدهما أهمّ في جانب المحتمل مع تساويهما في جانب الاحتمال ، ومثاله يظهر ممّا ذكرنا فيقدّم الأهمّ أيضاً على المهمّ.
ورابعة يكون أحدهما أكثر احتمالاً والآخر أهمّ محتملاً ، فلابدّ حينئذٍ من الكسر والانكسار وتشخيص ما يكون أهمّ في المجموع وتقديمه على الآخر.
وأمّا القسم الثاني : ( وهو المتعارضان ) فهو بنفسه على قسمين :
فتارةً يكون الاستصحابان طوليين بأن كان الشكّ في أحدهما مسبّباً عن الشكّ في الآخر