على أنّ نقل القرآن الكريم قد يكون ظاهراً في الامضاء.
وأمّا الروايات : فهى على طائفتين : طائفة عامّة تعمّ جميع موارد القرعة ، وقد نقلنا منها إثنا عشرة رواية في كتابنا القواعد الفقهيّة (١) ، وطائفة خاصّة تختصّ بقضايا خاصّة كالتي وردت في الغنم الموطوءة أو ولد الشبهة أو النذر ، وقد نقلنا منها عشر طوائف في القواعد الفقهيّة أيضاً (٢) ، ولا إشكال في أنّها بمجموعها بلغت حدّ التواتر ولذلك نعدّها عمدة أدلّة القرعة.
وأمّا بناء العقلاء : فلا إشكال أيضاً في أنّ سيرة العقلاء جرت على القرعة في الامور المشكلة عليهم التي تنجرّ إلى التنازع والتشاحّ ، فراجع لتفصيل البيان والموارد المختلفة في تداول القرعة بينهم كتاب القواعد الفقهيّة أيضاً (٣).
وأمّا الإجماع : فلا ريب أيضاً في أنّ إتّفاق الأصحاب قام على حجّية القرعة ، نعم لا أقلّ من أنّه محتمل المدرك فلا يمكن الركون إليه خاصّة.
وهى عند العقلاء منحصرة بموارد مظنّة التنازع والتشاحّ ، ولكن مواردها عند الشارع المقدّس أوسع منها ( وهذا ممّا وسّع الشارع فيه ما بنى عليه العقلاء ) فلا إشكال في جريان القرعة في الغنم الموطوءة مثلاً عند فقهاء الأصحاب ، وقد وردت روايات عديدة تدلّ عليه.
ثمّ إنّ المستفاد من روايات الباب جريان القرعة في المجهول المطلق مطلقاً سواء كان له واقع محفوظ اشتبه علينا فتكون القرعة أمارة وكاشفة عنه كما في ولد الشبهة والغنم الموطوءة ، أو لم يكن له واقع مجهول فتجري القرعة ، لمجرّد رفع التنازع والتشاحّ كما في موارد تزاحم الحقوق أو المنازعات ، ويمكن أن يقال : إنّ مورد قصّة زكريا وولادة مريم من هذا القبيل ( كما أنّه لا ريب في أنّ مورد قصّة يونس عليهالسلام من قبيل القسم الأوّل ) حيث إنّ الرجوع إلى القرعة فيها كان لرفع تشاحّ أحبار بني إسرائيل في كفالة مريم ، اللهمّ إلاّ أن يقال : أنّ جريان القرعة فيها أيضاً كان لتعيين الواقع ، أي تعيين من هو أفضل وأولى لكفالة مريم وتربيتها ، ولذا وقعت
__________________
(١) راجع القواعد الفقهيّة : ج ٢ ، ص ١٢٦ ـ ١٣٢.
(٢) المصدر السابق : ص ١٣٣ ـ ١٤٨.
(٣) المصدر السابق : ص ١٥٠.