« التعادل والتراجيح » ( بصيغة الجمع ) ولا يخفى أنّ وجه هذا التفاوت في خصوص الجزء الثاني أنّ التعادل يكون بمعنى التساوي وهو قسم واحد لا يتصوّر فيه التعدّد ، وأمّا الترجيح فحيث أنّ له أنواعاً مختلفة وجهات عديدة ( كالترجيح من ناحية السند والترجيح من ناحية الدلالة وهكذا الترجيح بالمرجّحات الخارجيّة ) فتارةً يؤتى بلفظ المفرد ويراد منه جنس الترجيح حتّى يعمّ جميع أنواعه ، واخرى بلفظ الجمع ، والأمر سهل.
وهو في اللغة من التعرّض بمعنى البروز والظهور ، تعارضاً أي تظاهراً وتبارزاً ، ومنه المبارزة والتعبير بـ « برز إليه » ، حيث إنّ المبارزة والنزاع في ميدان الحرب يلازم بروز المقاتل وظهوره في مقابل عدوّه.
وأمّا في الاصطلاح فقد عرّفه المحقّق الخراساني رحمهالله بـ « تنافي الدليلين أو الأدلّة بحسب الدلالة ، وفي مقام الإثبات على وجه التناقض أو التضادّ حقيقة أو عرضاً بأن علم بكذب أحدهما إجمالاً مع عدم امتناع اجتماعهما أصلاً ».
والتضادّ الحقيقي مثل ما إذا أمر أحد الدليلين بصلاة الجمعة ونهى الآخر عن إتيانها ، والتضادّ العرضي مثل ما إذا أمر أحدهما بصلاة الجمعة والآخر بصلاة الظهر في يوم الجمعة فإنّ وجوب كلّ من الظهر والجمعة وإن لم يمتنع اجتماعهما ذاتاً ولكن حيث نعلم بالإجماع بل الضرورة بعدم وجوب أكثر من خمس صلوات في اليوم والليلة فيتنافيان بالعرض.
والمراد من التناقض أن يقول أحدهما بوجوب صلاة الجمعة ، والآخر بعدم وجوبها ، ومن التضادّ أن يقول أحدهما بوجوب صلاة الجمعة والآخر بحرمتها مثلاً.
والمراد من قوله « بحسب الدلالة ومقام الإثبات » نفس ما جاء في تعريف الشيخ الأعظم رحمهالله ، وهو « تنافي الدليلين بحسب مدلولهما » ، وليس هذا عدولاً عن تعريف الشيخ رحمهالله من هذه الجهة كما ذهب إليه بعض الشرّاح للكفاية ، حيث إنّه من الواضح أنّ التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين ( أي الوجوب والحرمة ) وإنّه لا تعارض بين الدلالتين.
أقول : ومع ذلك كلّه يرد على تعريف المحقّق الخراساني رحمهالله أوّلاً : أنّ قيد « بحسب الدلالة ومقام الإثبات » إضافي ومن قبيل توضيح الواضح ، لأنّ من الواضح أنّ التعبير بتعارض الأدلّة