ورود الأمارات على الاصول لأنّ الأمارة طريق إلى الواقع فيوجب رفع الحيرة والتردّد الذي هو معنى الشكّ المأخوذ في موضوع الاصول ، ولو تنزّلنا عن ذلك فلا أقلّ من الحكومة ، لما مرّ أيضاً من أنّ أدلّة الأمارات ناظرة إلى أدلّة الاصول ولو بمدلولها الالتزامي.
لا إشكال في تقديم العناوين الثانويّة على العناوين الأوّلية وأنّه لا تعارض بينهما كما أشار إليه الشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني رحمهالله في كلماتهما ، وهو متفرّع على التعريف المذكور للتعارض ، إذ إنّه بمعنى التنافر والتضادّ ، ولا ريب في أنّه لا تضادّ بين أدلّة العنوانين ، إنّما الكلام في وجه تقدّم الثاني على الأوّل.
فظاهر كلمات الشيخ الأعظم رحمهالله أنّه من باب الحكومة ، بينما ظاهر كلمات المحقّق الخراساني رحمهالله أنّه من باب الجمع العرفي حيث قال : « أو كانا على نحو إذا عرضا على العرف وفّق بينهما بالتصرّف في خصوص أحدهما كما هو مطّرد في مثل الأدلّة المتكفّلة لبيان أحكام الموضوعات بعناوينها الأوّلية ، مع مثل الأدلّة النافية للعسر والحرج والضرر والإكراه والاضطرار ممّا يتكفّل لأحكامها بعناوينها الثانوية ».
وفصّل بعض المحشّين على الكفاية بين العناوين الثانويّة فقال في مثل الضرر والحرج بالحكومة ، وفي مثل الشروط والنذور بالجمع العرفي ، فالأقوال في المسألة ثلاثة.
ولابدّ قبل الورود في أصل البحث من تعريف الأحكام الأوّليّة والأحكام الثانويّة ( وقد بحثناه تفصيلاً في كتاب المكاسب مبحث ولاية الفقيه ) ، فنقول : الأحكام الأوّليّة أحكام ترد على الموضوعات الخارجيّة مع قطع النظر عن الطوارىء والعوارض الخارجة عن طبيعتها كحكم الحرمة العارضة على عنوان الدم أو الميتة في قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ ).
والأحكام الثانوية ما يرد على الموضوعات الخارجيّة مع النظر إلى الطوارىء الخارجة عن ذاتها كحكم الحلّية العارضة على الميتة بما أنّها مضطرّ إليها.
وعلى هذا ليست نجاسة الماء في صورة تغيّر أحد أوصافه الثلاثة من الأحكام الثانويّة