المطلوب والتخيير بين مراتب الاستحباب فهى خارجة عمّا نحن بصدده.
لا إشكال في أنّ الاصول لا تبحث عن القرائن الخاصّة الجزئيّة للجمع الدلالي بين المتعارضين التي لا تدخل تحت ضابطة كلّية ، بل إنّما تبحث عن القرائن الكلّية التي تشكّل قاعدة عامّة وقانوناً كلّياً للجمع الدلالي ، وهذه الضوابط والقرائن كثيرة نذكر منها أهمّها وهى :
١ ـ إذا تعارض عام ومطلق ، أي دار الأمر بين تخصيص عام وتقييد مطلق كما إذا قال المولى : أكرم عالماً ثمّ قال : لا تكرم الفسّاق ، ووقع التعارض في العالم الفاسق ( فالعالم مطلق يشمل العادل والفاسق منه ، والفسّاق جمع محلّى باللام يدلّ على عموم الحكم لجميع أفراد الفاسق ، فالنسبة بينهما عموم من وجه فيتعارضان في مادّة الإجتماع وهى العالم الفاسق ) ، ومثاله الشرعي تعارض قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) رواية « نهي النبي عن الغرر » ( لو فرضنا كون الرواية بهذا النحو ، حيث إنّ المعروف بل المأثور « نهي النبي عن بيع الغرر » (١) ) فإنّهما يتعارضان في العقود الغررية كما لا يخفى ، فقد يقال بترجيح ظهور العموم على الاطلاق أي تقديم التقييد على التخصيص ، واستدلّ له بوجهين :
الأوّل : أنّ ظهور الاطلاق تعليقي أي معلّق على عدم بيان التقييد بحيث كان عدم البيان جزءاً من مقتضى الاطلاق ، بخلاف ظهور العام فإنّه تنجيزي مستند إلى الوضع ، فيكون ظهور العام بياناً للتقييد وليس للمطلق ظهور في ذاته.
الثاني : أنّ التقييد أغلب من التخصيص.
أقول : أمّا الوجه الثاني فواضح الفساد فإنّ التخصيص أيضاً كثير ، وكثرته بمثابة حتّى قيل : « ما من عام إلاّوقد خصّ ».
وأمّا الوجه الأوّل فأورد عليه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّه مبنى على كون الاطلاق معلّقاً
__________________
(١) وسائل الشيعة : أبواب آداب التجارة ، الباب ٤ ، ح ٣.