أمّا الأمر الأوّل : فلأنّ المتزاحمين عبارة عن ما يمكن الجمع بينهما ، ولا إشكال في إمكان الجمع بين الموسّع والمضيّق عرفاً.
وهكذا الأمر الثاني : لأنّ الواجب المطلق لا يكون متزاحماً مع الواجب المشروط ، فإنّ الحجّ المشروط بالاستطاعة مثلاً إنّما يصير واجباً فيما إذا لم يكن هناك واجب آخر ، وبعبارة اخرى : لا تتحقّق الاستطاعة ( التي هى شرط فعليّة وجوب الحجّ ) إذا أدّى إتيان الحجّ ترك واجب أو فعل حرام.
وأمّا الأمر الثالث : فلأنّه إمّا أن يكون البدل فيما له البدل في عرض المبدل فيكون التيمّم مثلاً في عرض الوضوء ، أو أنّه في طول المبدل ، فإن كانا في عرض واحد كان المبدل ( وهو الوضوء في المثال ) واجباً تخييرياً ، ولا إشكال في أنّه لا تعارض بينه وبين الواجب التعييني وهو تطهير الثوب في المثال ، وإن كانا طوليين فلا محالة كان الوضوء أقوى ملاكاً من التيمّم فإتيانه مع القدرة على إتيان الوضوء موجب لتفويت درجة من المصلحة ، فيدور الأمر في الواقع بين رفع اليد عن هذه الدرجة من المصلحة وبين مصلحة تطهير الثوب فتدخل المسألة في باب الأهمّ والمهمّ فلا يصحّ الحكم بتقديم ما ليس له البدل على ما له البدل دائماً ، بل لعلّ تلك الدرجة من المصلحة كانت أقوى وأهمّ من مصلحة التطهير.
وأمّا الأمر الخامس : فكذلك أنّه خارج من باب التزاحم ، لأنّه متفرّع على فعليّة وجوب كلا الحكمين في عرض واحد. مع أنّ وجوب الركعة الثانية أو وجوب الصيام في النصف الثاني من شهر رمضان لا يكون فعليّاً قطعاً.
إنّ التعارض إنّما يتصوّر في ما إذا كان كلّ واحد من الدليلين ظنيّاً ، إمّا من ناحية السند ، أو الدلالة ، أو جهة الصدور ، وأمّا إذا كان أحدهما قطعيّاً من جميع الجهات والآخر ظنّياً من بعض الجهات فلا إشكال في تقديم الأوّل على الثاني ، ولا معنى لتعارضهما ، فالتعارض بين الآيات القرآنية إنّما يتصوّر فيما إذا كانت كلّ واحدة من الآيتين المتعارضتين ظاهرة في الحكم ، أي كانت ظنّية الدلالة ، وهكذا في الخبرين المتواترين والإجماعين المحصّلين ، فيتصوّر التعارض فيهما فيما إذا كان الخبر المتواتر ظاهراً في الحكم وكان للإجماع المحصّل معقد لفظي ظاهر في الحكم.