إلى هنا تمّ الكلام عن الدليل الأوّل على مقالة المشهور ( وجوب اعمال المرجّحات ) وهو في الواقع يرجع إلى ظهور الأمر بالترجيح الوارد في أخبار الترجيح في الوجوب.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّ « دعوى الإجماع مع مصير مثل الكليني رحمهالله إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النوّاب والسفراء ـ قال في ديباجة الكافي ولا نجد شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير ـ مجازفة ».
ولكن الإنصاف أنّ كلام الكليني رحمهالله في الديباجة يوافق الإجماع فإنّه قال فيها ما لفظه ( على حكاية صاحب الوسائل ) : اعلم يا أخي أنّه لا يسع أحد تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه عن العلماء برأيه إلاّما أطلقه العالم عليهالسلام بقوله : « اعرضوهما على كتاب الله عزّوجلّ فما وافق كتاب الله عزّوجلّ فخذوه ، وما خالف كتاب الله فردّوه » وقوله عليهالسلام : « دعوا ما وافق القوم فإنّ الرشد في خلافهم » وقوله عليهالسلام : « خذوا بالمجمع عليه فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » ونحن لا نعرف من ذلك إلاّ أقلّه ، ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم عليهالسلام وقبول ما وسع من الأمر فيه بقوله عليهالسلام : بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم » (١).
ومن المعلوم أنّه ليس مراده من قوله « ونحن لا نعرف من ذلك إلاّ أقلّه » عدم وجوب العمل بما ذكر من أخبار الترجيح ولزوم ردّها إلى أهلها حتّى في تلك الموارد القليلة على نحو السالبة الكلّية ، بل الظاهر أنّ مراده عدم معرفة مصاديق هذه المرجّحات لا عدم وجوب العمل بها عند معرفة مصاديقها ، هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ كلام الكليني هذا صدر منه في الواقع لشبهة حصلت له فإنّا لا نقبل قلّة موارد الترجيح بالمرجّحين المذكورين في كلامه.
فالصحيح في المناقشة أنّ مثل هذا الإجماع مدركيّ لا اعتبار به.
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ٩ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١٩.