تلك المرجّحات المخصوصة واحداً بعد واحد كي يحتاج السائل إلى إعادة السؤال مرّة بعد مرّة.
هذا ـ مضافاً إلى أنّه لو وجب التعدّي لم يأمر الإمام عليهالسلام في آخر المقبولة بعد ما فرض السائل تساوي الطرفين في جميع ما ذكر من المرجّحات المنصوصة بالأرجاء حتّى تلقى إمامك ، بل كان يأمره بالترجيح بسائر المرجّحات الموجبة لأقربية أحدهما إلى الواقع.
هذا كلّه في الأمر الأوّل.
بناءً على جواز التعدّي من المزايا المنصوصة هل يتعدّى إلى خصوص المزيّة الموجبة للأقربية إلى الواقع ( أي الظنّ بالصدور ) أو الموجبة لإقوائيّة المتن والمضمون ( أي الظنّ بمطابقة المحتوى للواقع ) أو يتعدّى إلى كلّ مزيّة للخبر ولو لم يوجب الإقربيّة أو الإقوائيّة؟
ذهب المحقّق الخراساني رحمهالله إلى الثاني استناداً إلى ما ادّعاه من أنّ المزايا المنصوصة على ثلاثة أقسام : قسم منها يوجب الأقربيّة إلى الواقع ، وهو الأصدقية والأوثقية ومخالفة العامّة ، وقسم منها يوجب الإقوائيّة في المضمون ، وهو موافقة الكتاب ، وقسم ثالث لا يوجب شيئاً منهما كالأورعيّة والأفقهيّة ، فإذا كان في المزايا ما لا يوجب شيئاً من الإقوائيّة والأقربيّة فلا وجه للتعدّي إلى خصوص ما يوجب إحديهما بل نتعدّى إلى كلّ مزية ولو لم تكن موجبة لإحديهما أصلاً.
ولكن الصحيح رجوع جميع المزايا إلى الأقربيّة إلى الواقع ، أمّا ما يوجب إقوائيّة المضمون فلأنّه إذا كان مضمون أحد الخبرين أقوى من الآخر ـ كما إذا كان مطابقاً لكلام الله تعالى ـ لكان موجباً لإقوائيّة الظنّ بصدوره عن المعصوم أيضاً ، ولذلك قد يجعل علوّ مضامين الأحاديث دليلاً على صحّة صدورها كما ذكره شيخنا الأنصاري رحمهالله في بعض كلماته في حديث « وأمّا من كان من الفقهاء ... » فقال : « إنّه يلوح منه آثار الصدق » وكما أنّ بعض أساتيذنا العظام ( وهو المحقّق البروجردي رحمهالله ) أيضاً كان يستدلّ على أقربيّة صدور أدعية الصحيفة السجّادية الشريفة بقوّة محتواها وعلوّ مضامينها ، وكما يقال ذلك في خطب نهج البلاغة ورسائله وأنّ علوّ مضامينها يدلّ على صدورها عن الإمام عليهالسلام وإن كان كثيراً منها من المراسيل.