وأمّا القسم الثالث فلأنّ الورع عبارة عن الكفّ عن محارم الله ، ومنها الكذب والإفتراء ، والإنسان الأورع يكون احتياطه ومحافظته على التكلّم أكثر من غيره غالباً ، فيكون أصدق من غيره كذلك ، وهكذا الأفقهيّة فإنّ الأفقه يكون أخذه من الإمام عليهالسلام أتقن وأحسن من غيره ، هذا مضافاً إلى أنّ كلاً من الأورعيّة والأفقهيّة في المقبولة هى من مرجّحات الحاكم ( كالأعدليّة والأصدقيّة ) لا من مرجّحات الراوي.
وعلى ما ذكرنا إنّما يمكن التعدّي من المزايا المنصوصة ( لو قلنا به ) إلى كلّ مزيّة توجب قوّة ذيّها من حيث دليليته وطريقيّته إلى الواقع.
وبعبارة اخرى : هل يجوز إعمال المرجّحات في موارد العام والخاصّ ، والمطلق والمقيّد أيضاً ، أو لا؟ المشهور والمعروف أنّه يختصّ بغير موارد الجمع العرفي ، بل قال الشيخ الأعظم رحمهالله : « وما ذكرناه كأنّه ممّا لا خلاف فيه كما استظهره بعض مشايخنا المعاصرين ، ويشهد له ما يظهر من مذاهبهم في الاصول وطريقتهم في الفروع ».
ولكن من العجب أنّه نسب إلى الشيخ الطوسي رحمهالله في بعض كلماته في الاستبصار والعدّة ، وإلى المحقّق القمّي في مباحث العام والخاصّ من القوانين أنّ أعمال المرجّحات يقدّم على الجمع العرفي.
والصحيح ما ذهب إليه المشهور ( بل يلزم من العمل بما نسب إلى شيخ الطائفة رحمهالله فقه جديد كما سيأتي ) وعمدة الدليل عليه أمران :
الأوّل : أنّه لا تعدّ موارد الجمع العرفي من قبيل المتعارضين ، فلا يصدق عنوان التعارض والاختلاف عليها عند العرف ، فلا يجري عليها أحكام التعارض.
الثاني : أنّ إعمال المرجّحات في موارد العام والخاصّ والمطلق والمقيّد يلزم منه ما لا يلتزم به فقيه ، لمخالفته لضرورة الفقه ، فإنّ من الضروري تخصيص العمومات الكثيرة وتقييد الإطلاقات العديدة في الكتاب والسنّة بالأخبار الخاصّة ، مثلاً قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) تخصّص بجميع أدلّة شرائط صحّة البيع والخيارات وشرائط المتبايعين والعوضين ، وهكذا