لكان على الشارع الرؤوف الرحيم إيجاب الاحتياط حتّى يصون صاحبها عن هذه اللوازم القهرية ، فالترخيص فيها إجماعاً بل ضرورة دليل على بطلان تلك المزعمة وإنّه ليس هيهنا ضرر اخروي أو دنيوي واجب الدفع كما لا يخفى » (١).
ولكن يمكن الجواب عنه بأنّ ترخيص الشارع في الشبهة الموضوعيّة والوجوبيّة إنّما يكون من باب تعارض المفسدة المحتملة فيها مع مصلحة أهمّ مثل رفع العسر والحرج وإيجاد التسهيل للعباد لا من باب التخصيص في قاعدة عقليّة حتّى يقال بأنّ القواعد العقليّة لا يمكن تخصيصها حيث إنّ العقل ـ أساساً ـ يحكم بوجوب دفع الضرر المحتمل ما لم يعارض ضرراً أقوى.
هذا كلّه في دليل العقل.
ويمكن تقريره بوجوه ثلاثة :
الأوّل : الإجماع القولي من العلماء كلّهم على البراءة في ما لم يرد فيه دليل عام أو خاصّ على تحريمه.
وهذا المعنى تامّ ولكن لا ينفع في مقابل دعوى الأخباريين في الحكم بالاحتياط بدليل عام لو تمّ دليلهم.
الثاني : الإجماع القولي على البراءة ما لم يرد دليل خاصّ على التحريم.
وهذا الوجه غير تامّ لأنّ المحدّثين يدّعون وجود دليل عامّ على التحريم.
الثالث : الإجماع العملي على البراءة حيث إنّ العلماء في مقام العمل يطالبون بدليل من مدّعي الحرمة ، وهذا دليل على أنّ المركوز في أذهانهم أنّ الأصل هو البراءة ما لم يرد ما يدلّ على الحرمة.
وفيه أيضاً : أنّ هذا صحيح إذا كان المراد عدم ورود الدليل الخاصّ والعام معاً وإلاّ لو
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ١٩٢ ، طبع جماعة المدرّسين.