الاجتهاد بالمعنى العام ، والاجتهاد بالمعنى الخاصّ ( وقد مرّ البحث عنهما في مواضع مختلفة من الاصول ، وهيهنا هو المحلّ الأصلي للكلام عنه فلا بأس بإعادته مع بسط وتوضيح ).
أمّا الاجتهاد بالمعنى العام فهو ما مرّ تعريفه في الأمر الأوّل ويكون مقبولاً عند الشيعة والسنّة ، وسيأتي أنّ الأخباري أيضاً يقبله في مقام العمل وإن كان ينكره باللسان.
وأمّا الاجتهاد بالمعنى الخاصّ فهو مختصّ بأهل السنّة ، والمراد منه نوع تشريع وجعل قانون من ناحية الفقيه فيما لا نصّ فيه على أساس القياس بالأحكام المنصوصة أو الاستحسان أو الاستصلاح ( المصالح المرسلة ) أو غير ذلك من مبانيهم (١).
__________________
(١) ولا بأس بالإشارة إلى بعض ما ذكروه في تعريف هذه المباني وتوضيحها :
أمّا القياس فقال بعضهم : « القياس هو إلحاق أمر بآخر في الحكم الشرعي لاتّحاد بينهما في العلّة .. وكلّ مجتهد يقيس بنظره الخاصّ في كلّ حادثة لا نصّ عليها في الكتاب أو السنّة ولا إجماع عليها » ( المدخل الفقهي العام : لمصطفى أحمد الزرقاء ، ج ١ ص ٧٣ ).
وقال في موضع آخر : « ولا يخفى أنّ نصوص الكتاب والسنّة محدودة متناهيّة ، والحوادث الواقعة والمتوقّعة غير متناهيّة فلا سبيل إلى إعطاء الحوادث والمعاملات الجديدة منازلها وأحكامها في الشريعة إلاّطريق الاجتهاد بالرأي الذي رأسه القياس » ( ج ١ ، ص ٧٤ ).
وقال في موضع أخر ( بعد نقل دليل عن الشهرستاني يقرب ممّا ذكره في وجوب الاجتهاد والقياس ) :
« وليس مراده قياس الأولويّة القطعيّة بل الظنّية ، ولذا ذكر في أمثلتها قياس الفقهاء قياس حال المتولّي للوقف على ولي اليتيم وأخذ أحكام الوقف من الوصية ، وقياس أحكام الإجارة بالبيع وقياس تغييره صورة العين المغصوبة ، مثل ما لو جعل الحنطة دقيقاً على التلف ، فقالوا بضمان المثل أو القيمة » ( ج ١ ، ص ٧٩ ).
ثمّ قال : إنّ هناك جماعة من فقهاء بعض المذاهب لم يقبلوا طريقة القياس ، فسمّوا الظاهريّة ، ولم يكن لمذهبهم هذا حياة ووزن لمخالفته ضرورات الحياة التشريعية ، بل القياس هو سرّ سعة الفقه الإسلامي الشاملة لما كان وما يكون من الحوادث » ( ج ١ ، ص ٨١ ) ( أقول : وسيأتي في محلّه إن شاء الله نقل هذا الكلام وبيان ضعفه من شتّى الجهات ).
وأمّا الاستحسان فقد ذكر في تعريفه أنّه « العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر بوجه أقوى يقتضي هذا العدول » ولعلّ أحسن التعاريف المأثور للاستحسان وأشمله لأنواعه ما حكاه في الكتاب المزبور عن أبي الحسن الكوفي من أئمّة مذهب الحنفي ، وتلخّصه : « أنّ الاستحسان هو قطع المسألة عن نظائرها ، فهو عكس