فالمهمّ حينئذٍ التعرّض لأدلّة الأخباريين والبحث حولها.
وقد استدلّ لهم بالأدلّة الثلاثة : الآيات والروايات والعقل.
أمّا الآيات : فهى على طوائف :
الطائفة الاولى : ما أمر فيها بالتقوى وهى كثيرة ( تسعة وستّون آية منها وردت بصيغة « اتّقوا » ، وخمس آيات بصيغة « اتّقون » وأربع آيات بصيغة « اتّقوه » ).
والأصرح منها قوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة أنّ الاحتياط في الشبهات مصداق من مصاديق التقوى والتقوى ، واجب بظاهر هذه الآيات لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب.
وقبل الجواب عن هذه الطائفة ينبغي بيان معنى التقوى في اللغة فنقول : إنّها اسم مصدر من مادّة الوقاية على وزن فَعْلى ، أصلها وَقْى فأُبدلت الواو بالتاء والتاء بالواو (١) ، وهى كما في قاموس اللغة بمعنى الاجتناب والحذر عن كلّ ما يحذر منه ، وهذا لا بأس به إذا كان مفعولها غير الباري تعالى ، كقوله تعالى : ( فاتّقوا يوماً ) أو ( فاتّقوا النار التي ... ) أو ( اتّقوا فتنة لا تصيبنّ ... ) وأمّا إذا كان المفعول وجود الباري كقوله تعالى : ( فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ، فلابدّ من تقدير فيها كما ذكره المفسّرون لعدم كونه تعالى ممّن يحذر منه كما لا يخفى ، وهذا بنفسه قرينة على تقدير شيء نحو عصيان الله ( فاتّقوا عصيان الله ) أو عذاب الله أو حساب الله ، كما ورد في قوله تعالى : ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ... ).
هذا كلّه في معنى الكلمة.
ثمّ نقول : يرد على الاستدلال بالطائفة المزبورة على الاحتياط أنّه يمكن النقاش في
__________________
(١) راجع شرح الشافية : ج ٣ ، ص ٨٠.