الجهة الثانية : في أحكام المجتهد المتجزّي.
فلتحقيق البحث فيها لابدّ من رسم مسائل :
ربّما يقال بعدم إمكان الاجتهاد المطلق ، لأنّ الفقيه لو بلغ إلى أي مرتبة من العلم والفقاهة يبقى مع ذلك في بعض المسائل متردّداً ، ولذا قد يتردّد الأعلام في بعض المسائل ، ويقولون في كتبهم الاستدلاليّة : أنّ المسألة بعدُ محلّ إشكال أو محلّ تأمّل فيعبّرون في رسائلهم العمليّة بوجوب الاحتياط.
ويمكن الجواب عنه : بأنّ هذه الاحتياطات إنّما تدلّ على وجود تعقيد في المسألة فحسب ، ولذلك يقتضي الورع الفقهي عدم إعلان فتواه العلمي ما لم يحسّ ضرورة في إعلانه ، وإن شئت قلت : إنّما يحتاط الفقهاء الأعلام في بعض المسائل لأحد أمرين :
أحدهما : حاجة المسألة إلى تتبّع كثير لا يسع له الوقت أو لا يحضر منابعها ومداركها بالفعل.
ثانيهما : ما يكون الدليل فيه في أقلّ مراتب الحجّية فلا يجترىء الفقيه للفتوى لشدّة ورعه ، ولأن لا يبعّد المكلّفين مهما إمكن عن الأحكام الواقعيّة ، ولكن لو مسّت الحاجة إلى تبيين الحكم كانوا قادرين عليه ، لأنّ المسألة إمّا ورد في نصّ يبلغ مرتبة الحجّية أم لا ، وعلى تقدير وروده إمّا يوجد معارض أم لا ، وعلى تقدير عدم وروده إمّا يكون هناك اطلاق أو عموم ، أو لا يوجد شيء من ذلك ما عدى الاصول العمليّة التي تكون حاصرة لمواردها حصراً عقلياً ، والوظيفة في جميع هذه الفروض معلومة مبيّنة ، لا معنى لعجز الفقهاء الأكابر الأعلام عن تشخيصها.
نعم ، لمّا كانت الاحتياطات موجبة لخروج الشريعة عن كونها سهلة سمحة فالجدير بالعلماء الأعلام أن لا يحوموا حولها إلاّبشرطين :
أحدهما : أن يكون المورد من الموارد التي لا توجب للمقلّد الكلفة والمشقّة الشديدة في