معقّدة ، وهكذا في القدرة على الطبابة ، فإنّها تبتدأ من المعالجات البسيطة إلى مراحل معقّدة عميقة ، بل قد يكون الاجتهاد المطلق في بعض العلوم الجديدة كالطب من المحالات ، فإنّ كلّ طبيب يمكن له أن يجتهد ويستنبط في مجال خاصّ من الطبابة.
إن قلت : إنّ قياس ملكة الاجتهاد في المسائل الفقهيّة بسائر الملكات مع الفارق ، لأنّ مدارك الاستنباط واصوله وقواعده في باب من الفقه متّحدة مع الاصول الجارية في أبواب اخر.
قلنا : أنّه كذلك ، ولكن يمكن التفكيك في المسائل الاصوليّة أيضاً من حيث الصعوبة والسهولة ، فيتطرّق التقسيم والتجزّي فيها ، ولا إشكال حينئذٍ في ورود التجزّي إلى المسائل الفقهيّة التي تنطبق عليها ، فمثلاً مسألة اجتماع الأمر والنهي من المسائل المشكلة في الاصول ، ومن لا يقدر على حلّها والاجتهاد فيها لا يقدر على حلّ ما يرتبط بها من الفروعات الفقهيّة في باب الصّلاة والصوم والحجّ وغيرها. هذا أوّلاً.
وثانياً : قد مرّ أنّ الإحاطة بعلم الاصول وحده لا تكفي لحصول ملكة الاجتهاد ، بل لابدّ من التمرين والممارسة ، ولا ريب في أنّ للممارسة مراحل مختلفة ودرجات متفاوتة ، وبحسبها يتجزّأ الاجتهاد في الفقه ، وهذا هو ما ذكرنا من أنّ الاجتهاد المطلق يستحيل عادةً من دون العبور عن الاجتهاد المتجزّي.
وقد يقال : إنّ الوصول إلى الاجتهاد المطلق من دون طيّ مرحلة التجزّي يلزم منه الطفرة التي قضى العقل ببطلانها.
ولكن يمكن الجواب عنه : أنّ المراد من الطفرة تقديم ما هو في رتبة متأخّرة أو بالعكس ، كتقديم ذي المقدّمة على المقدّمة ، والمعلول على العلّة ، ومثل رفع الأقدام المتأخّرة قبل الاقدام المتقدّمة في العلل الأعدادية ، فهى تتصوّر فيما إذا كان هناك ترتيب عقلاً ، وهو مفقود في ما نحن فيه.
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يبحث في أحكام المجتهد المتجزّي عن امور ثلاثة :
والتحقيق فيه التفكيك بين صورتين :