الاولى : ما إذا اجتهد واستقرّ رأيه على شيء.
الثانية : ما إذا لم يجتهد ، أو اجتهد ولكن لم يستقرّ رأيه بعد على شيء.
أمّا الصورة الاولى :
فلا ريب في وجوب تقليده لنفسه والعمل برأيه ، وحرمة تقليده لغيره ، لأنّه لا إشكال في كونه مخاطباً لأدلّة الاصول العمليّة والأمارات الشرعيّة ، مثل دليل « إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّوا » ، ولازمه أنّه إذا اجتهد واستنبط مثلاً تنجّس الماء القليل تمّت الحجّة عليه في خصوص هذه المسألة من دون الحاجة إلى الإذن من مجتهد مطلق.
أمّا الصورة الثانية :
ففي جواز العمل برأيه فيها خلاف ، ذهب صاحب المناهل إلى عدمه ، ومقتضى اطلاق كلام الشيخ الأعظم رحمهالله في رسالته في الاجتهاد والتقليد هو الجواز ، بل حرمة التقليد عن الغير ، وتفصيل البحث في ذلك في محلّه.
والتحقيق فيه أن يقال : إنّه تارةً : يمكن له أن يجتهد في شيء معتدّ به من الأحكام ، بحيث يصدق عليه عنوان « من عرف حلالنا وحرامنا » أو « شيئاً من قضايانا » أو عنوان « أهل الذكر » و « من كان من الفقهاء » ، كما إذا حصلت له ملكة الاجتهاد في أبواب المعاملات مثلاً ، فلا ريب حينئذٍ في جواز تقليد الغير له ، والشاهد عليه بناء العقلاء على العمل برأي الطبيب المتجزّي المتخصّص في فنّه ، بل على ترجيحه على غيره ، لكونه أعلم من غيره في هذه الناحية.
واخرى : يمكن له أن يجتهد مسائل طفيفة قليلة ، ففي هذه الصورة لا تصدق عليه العناوين المزبورة ، أي لا تشمله الأدلّة النقليّة الواردة في باب التقليد ، نعم لا إشكال في جريان سيرة العقلاء وبنائهم على تقليده ، كما لا إشكال في عدم ثبوت الردع عنه بتلك الأدلّة النقلية ، لأنّها ساكتة عنه ، ونتيجته جواز تقليده في هذه الصورة أيضاً إذا كان واجداً لسائر شرائط التقليد.