أيّة مفسدة ، بل إنّه موجب لإزدهار علم الفقه والاصول ، وتطوّره وتقدّمه باستمرار ، وذلك أوّلاً : لاعتبارهم كون مرجع الفتوى للناس أعلم الفقهاء الأحياء ، وثانياً : أنّ اجتهادهم ـ كما مرّ تعريفه ـ مبنيّ على أساس النصوص وضوابط خاصّة مستفادة من النصوص أيضاً ، لا على القياس والاستحسانات الظنّية وأشباهها ممّا لا تندرج تحت ضابطة معيّنة.
وبالجملة ، أنّ نتيجة القول بالتصويب ـ بما أنّه يستبطن سدّ باب الاجتهاد ـ هى ركود علم الفقه وعدم تكامله فإنّ القائل به لا يرى في الآراء الفقهيّة الصادرة خطأً حتّى يرى نفسه ملزماً بالتحقيق والتتبّع ويتعب نفسه للحصول على ما هو الواقع الحقّ بخلاف القول بالتخطئة ، فإنّ القائل به يبذل جهده لتحصيل ذلك الحكم الواحد الواقعي ، ولازمه التفكّر العميق والتدبّر الواسع وإعمال كمال الدقّة للظفر بالحقّ والعثور على الواقع.
هذا كلّه في القسم الأوّل من التصويب.
( وهو أنّ لله في كلّ واقعة حكماً ولكن لمن وصل إليه الخطاب ، وأمّا من لم يصل إليه الخطاب فلا حكم في حقّه ، بل تصل النوبة حينئذٍ إلى تقنين الفقيه ) فهو أيضاً باطل بكلتا مقدّمتيه ، لأنّ القول بأنّ الأحكام مخصوصة للعالمين فقط مخالف لظاهر جميع أدلّتها ، فإنّ مثل قوله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) وقوله تعالى : ( إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) عامّ للجاهل والعالم ، وليس العلم مأخوذاً في موضوعه ، بل العلم طريق إليه ، ولو سلّمنا اختصاص الأحكام بالعالمين فلا دليل أيضاً على إعطاء حقّ التقنين بيد الفقيه كما مرّ في نظيره ( التصويب الأشعري ).
وأمّا القسم الثالث : وهو التصويب المبني على القول بسببيّة الأمارات.
ففيه أيضاً : أنّه لا دليل على سببيّة الأمارات فإنّ ظاهر أدلّتها هو الطريقيّة كما مرّ بيانه في محلّه ، فإنّا قد قلنا هناك أنّ قوله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) مثلاً بمعنى « فأسألوا حتّى