صورة حصول الظنّ كما هو محلّ النزاع في المقام ، وبعبارة اخرى : أنّ للآية قدر متيقّن في مقام التخاطب فإطلاقها ليس بحجّة لعدم حصول جميع مقدّمات الحكمة.
والجواب عنه : أنّ الآية مطلقة ، ومجرّد وجود قدر متيقّن في مقام التخاطب لا ينافي الاطلاق كما ذكرناه في محلّه ، وإلاّ لأختلّ غالب النصوص المطلقة لنزولها أو ورودها في مقامات خاصّة.
ثانيهما : أنّها في مقام بيان وظيفة المجتهد لا المقلّد ، فلا اطلاق لها من هذه الجهة.
وفيه : أنّه مجرّد دعوى لا شاهد عليها ، بل الظاهر كون الآية في مقام البيان من الجانبين.
منها : آية السؤال ، وهى قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لَاتَعْلَمُونَ ) (١) وقوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَاتَعْلَمُونَ ) (٢) ( والفرق بينهما هو إضافة كلمة « من » في الثانية ).
هذه الآية من جهة أقوى دلالة من آية النفر لأنّها في مقام بيان وظيفة المقلّد وتلك كانت في مقام بيان وظيفة الفقيه والمجتهد على قول.
وتقريب الاستدلال بها واضح ، فإنّ المراد من أهل الذكر أهل العلم والقرآن من العلماء كما نصّ عليه جماعة.
ولكن أورد عليه أوّلاً : بأنّ موردها وشأن نزولها إنّما هو أهل الكتاب في باب اصول الدين التي يعتبر فيها تحصيل العلم ، فيكون الأمر بالسؤال من أهل الذكر لتحصيل العلم من أقوالهم فيعمل بالعلم لا بأقوالهم تعبّداً ليثبت المطلوب.
وثانياً : بأنّ ذيلها وهو قوله تعالى : ( إِنْ كُنتُمْ لَاتَعْلَمُونَ ) أقوى شاهد على أنّ الغرض من السؤال هو العلم فالآية تقول : « إن كنت لا تعلم فاسأل حتّى تعلم ».
لكن الإنصاف إمكان دفع كليهما ...
أمّا الإيراد الأوّل : فلأنّ المورد ليس مخصّصاً والآية مطلقة تعمّ السؤال عن اصول الدين وغيرها ، وتقييد بعض المصاديق ( وهو اصول الدين ) بالعلم بدليل من الخارج لا يوجب تقييد سائر المصاديق به واعتباره فيها ، فكما أنّه يمكن تقييد جميع المصاديق بدليل منفصل كقوله : « لا
__________________
(١) سورة الأنبياء : الآية ٧.
(٢) سورة النحل : الآية ٤٣.