والقلب وبدء تكوّنها وكيفيّة خلقتها وممّا فيه إيضاح لصفاتها وأفعالها وآثارها ، ليكون الباحث الفاحص عن نفسه وملكاتها المريد لإصلاحها وتزكيتها وحيازة سعادتها وإزالة شقاوتها على بصيرةٍ من أمره.
فنقول : قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ) (١). الآية الشريفة : إمّا مسوقة لبيان خلق جسم الإنسان بدنه كما عليه أكثر المفسّرين فالمعنى : أنّ الله تعالى ابتدأ بخلق نوع الإنسان بإيجاد فردٍ منه أو أفرادٍ ، فخلقه من أجزاء الأرض مخلوطةً بالماء مسمّاةً « بالسلالة » فقوله : ( مِنْ طِينٍ ) بيان لسلالةٍ ، أي : من سلالةٍ هي الطين ، وهذا المخلوق هو : آدم وحوّاء ، أو هما مع عدّة ذكورٍ وإناثٍ ليكونوا أزواجاً لأوّل أولاد آدم وحوّاء ويتولّد سائر الأفراد منهم بالزواج والتناسل ، ويتحقّق معنى قوله : ( ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً ).
وإمّا مسوقة لبيان خلق روحه التي هي الإنسان حقيقةً ، فالمراد من الإنسان : روحه ، ومن السلالة : جسمه ، وكلمة « من » في الموردين نشويّة ، ومعنى الآية الشريفة : إنّا خلقنا الروح الانسانّية من جسمه وخلقنا جسمه من طين. وعلى هذا فكلمة : « ثمّ » للتراخي في الذكر والاشارة إلى كيفيّة تكوّن الجسم من الطين والوساطة الواقعة بين الطين والجسم الحيّ ، وهذا في المثل نظير الدهن الصافي اللطيف الحاصل من الزيتون واللوز المخلوقين من الأرض بواسطة الشجر. ويشير إلى هذا النحو من خلقة الإنسان ما قد يقال : إنّ الروح جسمانيّة الحدوث وروحانيّة البقاء ، بمعنى : أنّها موجود لطيف تكوّنت من الجسم ، وهي
____________________________
١) المؤمنون : ١٢ ـ ١٣.