الدّرس الخامس والعشرون
في التّفكّر والاعتبار بالعبر والاتّعاظ بالعظات
حقيقة التّفكّر : سير الباطن من المبادئ إلى المقاصد ، ولا يرتقي من النقص إلى الكمال إلّا بهذا السير ، ومبادئه الآفاق والأنفس بأن يتفكّر في أجزاء العالم وذرّاته وفي الأجرام العلويّة والكواكب ، وفي الأجرام السفليّة ، برّها وبحرها ومعادنها وحيواناتها ، وفي أجزاء الإنسان وأعضائه وما فيها من المصالح والحكم وغيرها ، ممّا يستدلّ بها على كمال الصانع وعظمته وعلمه وقدرته ، فالتّفكّر من حيث خلقها وإتقان صنعها وغرائب الصنع وعجائب الحكم الموجودة فيها ، أثره الايقان بوجود الصانع وعلمه وقدرته وحكمته ، ومن حيث تغيّرها وفنائها بعد وجودها ، أثره الانقطاع منها والتّوجّه بالكلّيّة إلى خالقها وبارئها ، ونظيره التّفكّر في أحوال الماضين وانقطاع أيديهم عن الدنيا وما فيها ورجوعهم إلى دار الآخرة ، فإنّه يوجب قطع المحبّة عن غير الله ، والانقطاع إليه بالطاعة والتقوى.