قال تعالىٰ : ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِ ) (١).
الشاكلة : الطبيعة والسجية كما مرت ، وقد فسّرت في عدّةٍ من النصوص بالنّية ، ولعلّه لأنّ النّية تنشأ عن الشاكلة ، فمعنى الآية : أنّ مبنى عمل كلّ إنسانٍ وما يصدر منه فعله ، نيّته الصادرة عن شاكلته ، فالنّية مصدر الأعمال وملاكها ولها دخل تامّ في حسنها وقبحها وخيرها وشرّها ، وهذا ممّا تشير إليه أخبار الباب وتوضحه وتفسّره.
فقد ورد :
أنّه لا قول ولا عمل إلّا بنيّةٍ ، ولا نيّة إلّا بإصابة السنّة (٢) ، أي : لا صحّة ولا ثواب لأيّ قولٍ أو فعلٍ يصدر من المكلّف إلّا إذا قصد كونه لله ورجاء وجهه ورضاه ، أو طلب ثوابه ، أو الخلاص من عقابه. وهذا معنى إصابة السّنة.
وأنّ نيّة المؤمن خير من عمله ونيّة الكافر شرّ من عمله (٣) النّية هنا بمعنى : الاعتقاد والإيمان ، وهو خير من العمل الخارجيّ ، كما أنّ الكفر القلبيّ شرّ من الفسق العمليّ ، أو أنّ نيّة الخير من المؤمن إذا لم يقدر عليه خير من العمل إذا قدر ؛ لأنّ النّية خالصة لله ، والعمل ربما كان رئاءً ونحوه. والكافر ينوي من الشرّ فوق ما قد يعمل به ، أو أنّ النّية لمّا كانت أمراً قلبيّاً كثير الشوب بالأغراض النّفسية والدنيويّة وإخلاصها وتصفيتها وتمحيصها بحيث لا يشوبها أيّ غرضٍ غير رضا الله تعالى ، أمر صعب جدّاً لا يناله إلّا الأوحديّ من الناس ومع ذلك لها عندهم مراتب كثيرة ، فمع ملاحظة أنّ حسن العمل وكماله ينشئان من حسنها وكمالها يعلم
____________________________
١) الإسراء : ٨٤.
٢) المحاسن : ص ٣٤٩ ـ بحار الأنوار : ج ١ ، ص ٢٠٧.
٣) الأمالي : ج ٢ ، ص ٣١٥ ـ المحجة البيضاء : ج ٨ ، ص ١٠٩ ـ الوافي : ج ٤ ، ص ٣٦٧ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص ٢٣٧ وج ٨٤ ، ص ٣٧٢ ـ مستدرك الوسائل : ج ١ ، ص ٩٤.