أقول : لا يخفى ما في هذا الاشكال من الوهن والركاكة ؛ لأنا لم نتعقل أنه كيف يصير عينه أو قريباً منه ، مع أنّ المعنى الذي ذكره عند التجوز فيه معنى تام مستقل ، لا يرتبط بالمجاز في الاسناد في شيء ، لأنه لا ريب في صحة إرادة المعنى المذكور من السؤال ، ومع إرادتها لا تكون النسبة ثابتة لغير ما هي له .
هذا ، ثم إنه بعدما عرفت معنى الاطراد وعدمه ، وموردهما ، فاعلم أن الأقوال في كونهما علامتين وعدمه ثلاثة :
الأول : أنهما علامتان . الثاني : عدم كون شيء منهما علامة . الثالث : التفصيل . ثم إن المفصلين بين قولين :
احدهما : كون الاطّراد دليلاً على الحقيقة ، وعدم كون فقده دليلاً على المجاز ، من هؤلاء السيد عميد الدين (١) ، فلذا اقتصر بذكر المثال للاطراد بلفظ العالم ، ومنهم العلامة في ظاهر التهذيب (٢) ، ومنهم الغزالي على ما حكى عنهم .
وثانيهما عكس ذلك ، وهذا لجماعة من الخاصة والعامة ، منهم الآمدي في الإحكام (٣) ، والحاجبي (٤) ، والعضدي (٥) ، وشيخنا البهائي (٦) ، وظاهر العلامة ( رحمه الله ) في النهاية (٧) على ما نسب إليهم ، ولهذا اقتصر العضدي بذكر مثال عدم الاطراد .
حجة القول الأول من التفصيل ؛ أما على كون الاطراد دليلاً على الوضع ، فهو ما يأتي في حجة القول المختار ، وأما على عدم كون فقده دليلاً على المجاز ، فلوجوده في بعض الموارد ، مع القطع بكون المورد معنى حقيقياً ، كما في لفظ رحمان لعدم جواز استعماله في
___________________________
(١) منية اللبيب : مخطوط . في علائم الحقيقة والمجاز اليك لفظه : ومن الأدلة على كون اللفظ حقيقة في المعنى المعين الاطراد كالعالم .
(٢) تهذيب الاصول : ١ في البحث الرابع في الفرق بين الحقيقة والمجاز واليك نصّه : والاطراد دليل الحقيقة ، فان العالم لما صدق على كل ذي علم حقيقة صدق على كل ذي علم .
(٣) الإحكام في اصول الأحكام : ٣٠ ، حيث قال ما لفظه : ومنها أن لا يكون اللفظ مطرداً في مدلوله مع عدم ورود المنع من أهل اللغة والشارع من الاطراد . وذلك كتسمية الرجل الطويل النخلة ، اذ هو غير مطرد في كل طويل .
(٤) مختصر ابن الحاجب : مخطوط .
(٥) في حاشيته على شرح المختصر : مخطوط ، واليك لفظه : قال : ومنها عدم اطراده بان يستعمل بوجود معنى في محل ولا يجوز استعماله في محل آخر ـ الى ان قال : ـ وهذا لا ينعكس ، أي ليس الاطراد دليل الحقيقة .
(٦) في زبدة الاصول : في علائم المجاز عند قوله : وقد تعرف بالسلب ولا دور ، وبعدم اطراده ولا عكس .
(٧) نهاية الوصول الى علم الاصول : مخطوط ، انظره عند قوله ( قد سره ) : السادس الاطراد في الحقيقة وعدمه في المجاز .