والنكتة في ذلك كله ما ذكرنا من توقف العمل على البراءة الأصلية على الفحص عن المعارض ، وعن حقيقة الحال ، ولما كان الحال يتبين بالسؤال للمخاطب فيما نحن فيه ، وللمكلفين في ذلك الزمان ، فلم يبق بعده مجرى لها حتى يرجع إليها .
هذا تمام الكلام في اعتبار أصالة الحقيقة بالنسبة إلى حال التخاطب في حق المشافه الذي هو المخاطب .
وأمّا غيره ، فمع قطعه بعدم القرينة المكتنف بها الكلام حال الخطاب ، فهي معتبرة ، في حقه أيضاً ، سواء كان ذلك الغير حاضراً في مجلس الخطاب أو غائباً عنه ، فإنّ الاُصول المتقدمة ـ كما عرفت ـ تفيد كون الحقيقة مرادة للمتكلم عند تجرد اللفظ عن القرينة ، فإذا قطع الغير بتجرده عنها حال التخاطب ، تفيد تلك الاصول المعتبرة ما أفاده للمخاطب ، من كون الحقيقة مرادةً ، فيرتّب الغير ـ حينئذ ـ ما يترتب على إرادة الحقيقة من الأحكام ، هذا كله فيما إذا قطع بعدم القرينة .
وأمّا إذا احتملت ، فاعتبار أصالة الحقيقة حينئذ مبنيّ على اعتبار أصالة عدم القرينة ، فإنّ الاُصول المتقدمة لا تقتضي كون الحقيقة مرادة حينئذ ، فإنّها إنّما تقتضي ذلك في صورة القطع بعدم القرينة ، وأمّا مع احتمالها فلا ، لأنها لا تمنع عن إرادة غيرها مع نصب القرينة ، فمعه كيف يجوز اقتضاؤها لنفي هذا الاحتمال ؟ فإنّ كون المتكلم ـ في مقام التفهيم ، أو عدم غفلته ، أو عدم تعمّده على ترك القرينة أو عدم بداء له ـ لا يقتضي شيء منها عدم إرادة المجاز مع القرينة .
والحاصل : إنّ احتمال عدم إرادة الحقيقة ناشئ من وجوه :
الأوّل : أن لا يكون المتكلم في مقام التفهيم وإرادة المعنى من اللفظ .
الثاني : كونه مريداً للمجاز مع سهوه أو غفلته عن نصب القرينة .
الثالث : كونه مريداً له ، مع تعمّده على عدم نصبها ، إمّا سفهاً أو لبداء حدث له .
الرابع : كونه مريداً له ، مع نصبه للقرينة ، مع اختفائها على غير المتكلم .
ولا ريب أنَّ الاُصول المتقدمة إنّما تفيد نفي احتمال الوجوه الثلاثة الاُولى .
وأمّا الأخير فلا بدّ من نفي احتماله : إمّا بالقطع ، أو بالأصل ، فلمّا كان مفروض الكلام عدم القطع ، فيتوقف نفي الأصل المذكور على اعتبار أصالة عدم القرينة ، وستعرف الكلام فيها مفصَّلاً إنْ شاء الله .
ومن الظّنون اللّفظية التي قام القاطع
على حجيتها ـ في الجملة ـ أصالة عدم