إنّ جملة القول في الأحوال المتكافئة أنّ الاصول اللفظية إذا تعارض بعضها مع بعض ، وتكافاۤ ـ من حيث المرجّحات المعتبرة ـ احتمل فيه وجوه ، أو أقوال ، على أظهر الاحتمالين :
الأوّل : إلحاقها بالأخبار المتعارضة المتكافئة في الحكم بالتخيير .
وهذا ، وإن لم نجد به مصرِّحاً إلّا أنّه يظهر من كلماتهم في تعارض القراءات السبع ، مع اختلاف الحكم الشرعي باختلافها .
ووجه الاستظهار أمران :
أحدهما : أنّ المشهور تواتر القراءات السّبع كلها ، وهذا يقتضى أن يكون النزاع في تعارضها من حيث مداليل تلك القراءات وظواهرها ، فيدخل فيما نحن فيه ، لأنّ الكلام في المقام في تعارض الظواهر اللّفظية ، وظواهر القراءات من جملتها .
هذا ، لكن الحقّ عدم توقف الاستظهار المذكور على ثبوت تواترها ، بل مع ثبوت جواز الاستدلال بها ، وجعل المتعارضين منها بمنزلة آيتين قطعيّتين ، أيضاً يتمّ الخطب ، إذ مع ثبوت ذلك لا يكون ملاحظة التعارض والترجيح راجعاً إلى الصدور قطعاً ، بل راجع إلى جهة الدلالة والظهور ، أو لأعمّ منه ، بحيث يشمل الترجيح ، من حيث كون القراءة موضوعاً للحكم الفرعي ، لكن الحقّ أنّه بعد فرضها كالمتواتر في الأخبار من جهة الصدور ، فلا وجه للتوقف في جواز القراءة بكل منهما ، فإنهما حينئذ بمنزلة آيتين يجوز القراءة بأيّهما شاء ، وترجيح القراءة بالقراءة من الإشمام الظاهر أنّه من جهة الصدور على القول بعدم التواتر ، وعلى عدم ثبوت كونها في حكم المتواتر ، كما يدلّ عليه بعض الأخبار ، من أنّ القرآن واحد ، ونزل من عند الواحد . وسيأتي تمام الكلام فيه .
وثانيهما : أنّ المشهور في تعارض
القراءات التخيير ، كما في الأخبار مع عدم تقييدهم له بما إذا كان القراءات موضوعاً للحكم الفرعي ، بل ظاهر إطلاق كلامهم ثبوت التخيير عند التعارض بالنسبة إلى جميع الأحكام المترتبة على لفظ القراءات ،
بأن يكون موضوعاً للحكم الفرعي ، وإلى الأحكام المترتبة على معناه بأن يكون القراءات طريقا إليها ، وحجة في إثباتها ، فمقتضى الأمرين وجود القائل بالتخيير فيما نحن
فيه ، لعدم الفرق بين ظواهر ألفاظ الكتاب وبين غيرها ، إذ بعد فرض تواتر القراءات ، فيكون القراءتان المختلفتان سيّما فيما إذا كان الاختلاف من جهة المادّة ، آيتين
مستقلتين حقيقة ، فيقع التعارض بين ظاهري الخطابين المفروغ عن صدورهما ، فيدخل فيما نحن فيه ، لأنّ