المسألة الثالثة : الدوران بين الاشتراك والمجاز ، ويقع الكلام فيها تارة مع قطع النظر عن الاستعمال ، وتارة بالنظر إليه .
فعلى الأوّل : لا خلاف في تقديم المجاز ، بل صرّح بعضهم على ما حكى عنه بخروجه عن مسألة الدوران ، وقد أكثر الكلام في ذلك ـ أعنى تقديم المجاز ـ بعض أفاضل المتأخّرين ، حتى أنّه استدلّ عليه بالأدلّة الأربعة .
لكن فيه ما عرفت سابقاً ، من عدم ارتباط الأدلّة الشرعيّة كالكتاب والسنة والإجماع بما نحن فيه ، لما عرفت من أنّ دليل اعتبار الاصول الجارية في الألفاظ ، سواء كانت في مقام تعيين الأوضاع ، أو في تعيين المراد ، إنّما هو بناء العقلاء من أهل اللسان ، وسيرتهم لا غير .
وأمّا على الثاني : فيرجع البحث إلى كون الاستعمال دليلاً على الوضع وعدمه ، وقد عرفت الكلام فيه في مسألة الاستعمال بحذافيره ، وعرفت الأقوال فراجع ، فمن رجّح ثمّة كونه دليلاً ـ كالسيّد ـ (١) ، يحكم فيما نحن فيه بالاشتراك ، ومن لا يرجّحه لا يحكم به ، بل إمّا متوقّف ، أو مقدّم للمجاز ، كما هو المختار .
إعلم أوّلا : أنّه لا يخفى أنّ الإضمار إنّما هو عدم ذكر لفظ تعلّق الغرض بمعناه أيضاً ، ولا ريب أنّ عدم الذكر موافق للأصل ، فما وجه تسميته وجعله مخالفاً للأصل ؟
ويمكن توجيهه بوجهين :
الأول : أنّ الإضمار وإن كان في نفسه أمراً عدميّاً ، فيكون موافقاً للأصل من هذه الجهة ، لكنّه مسبّب عن أمر وجودي ، وهو ملاحظة غرض زائد ، كما في المجازات ، فإنّه لو لم يكن غرض المتكلم متعلّقاً بأمر زائد عن إفادة المطلب ، لما أضمر ، فكونه مخالفاً للأصل من هذه الجهة ، فيكون معناه كونه مستلزماً لمخالفة أصل ، أي الاستصحاب .
الثاني : أن يكون المراد بكونه مخالفاً للأصل ، كونه مخالفاً للقاعدة ، بارادة القاعدة من الأصل ، فإنّ قاعدة التجاوز تقتضي أن يكون المبادي ، أي الألفاظ بمقدار المعاني ، بأن يأتي المتكلم بألفاظ تفي بتمام مراده ، فحذف بعض تلك الألفاظ مخالف لتلك القاعدة .
___________________________
(١) الذّريعة المجلد الأوّل : ١٣ واليك لفظه : ولهذا نقول : إن ظاهر استعمال اهل اللغة اللفظة في شيء دلالته على أنّها حقيقة فيه إلّا أن ينقلنا ناقل عن هذا الظّاهر . ( وقد أشرنا إلى موارد كثيرة اُخرى إن شئت فراجع الهوامش في تلك المسألة ) .