وضعي ، يرجع التعارض حقيقة إلى ما بينه وبين الأصل الآخر الذي هو مثله ، فإذا فرض ترجيح الأصل الآخر عليه ، فلا يبقى للأصل المشخص للمراد مورد ، لانتفاء مبناه بترجيح غيره عليه ، فلا فرق حينئذ بين أن تكون الاصول الوضعية معتبرة من باب الظن أو من باب التعبد ، فتدبّر .
المسألة الخامسة : الدوران بين النقل وبين التخصيص ، أو بينه وبين التقييد مقتضى الغلبة تقديمهما على النقل ، ولأنّهما قسمان من المجاز ، والمجاز مقدّم على النقل ، كما سيأتي ، فهما مقدمان عليه ، بل هما أولى بالتقديم ، لكونهما أرجح من سائر المجازات .
وأمّا الاصول فهي معارضة ، لأنّ كل واحد من التقييد والنقل أو التخصيص مخالف للأصل .
لكن الأقوى تقديم أصالة عدم النقل على أصالة عدم التخصيص أو التقييد إذا كان الدوران بينهما وبين النقل التعيّني ، والتساقط إذا كان الدوران بينهما وبين النقل التعييني ، وسيأتي وجه التفصيل في المسألة الآتية ، فإنّ التقييد والتخصيص قسمان من المجاز ، مع احتمال تقديمهما عليه حينئذ أيضاً بملاحظة أنّ الشك فيهما مسبّب عن الشك في النقل ، فمع جريان أصالة عدم النقل لا يجري أصالة عدم المخصص أو التقييد ولعلّه الأظهر .
ومثال دوران الأمر بين التقييد والنقل ، هي الألفاظ التي ادعى كونها حقايق شرعية ، حيث أنّها في الأصل موضوعة للمعاني الكلية ، لكن الشارع علّق أحكامه على بعض أفرادها ، فوقع الشك في أنّها نقلت في لسانه إلى تلك الأفراد ، أو اُريدت الأفراد مجازاً بمعنى أنّ المراد هي المعاني الكلية المقيدة بتلك القيود ، وأنّها أي تلك الألفاظ باقية على أوضاعها اللغوية ، كما يقوله الباقلاني (١) .
المسألة السادسة : الدوران بين النقل والمجاز ، ذهب جلّهم إلى تقديم المجاز ، نظراً إلى أنّ النقل يحتاج إلى اتفاق أهل اللسان بخلاف المجاز ، فإنّه أمر معهود لا يتوقّف على
___________________________
(١) وإليك بنصّ كلامه على ما في هامش المنية المخطوطة في مبحث الحقيقة الشرعية عند قوله فمنعه القاضي أبو بكر مطلقاً ، قال : إنّ الشرع لم يستعملها إلّا في الحقائق اللغويّة ، والمراد بالصلاة المأمور بها هو الدعاء ، ولكن أقام الشرع أدلّة اُخرى على أنّ الدعاء لا يقبل اِلا بشرائط مضمومة إليه .
وفي شرح الوافية للسيد الأعرجي هكذا : وبالجملة فالنّفي إنما نسبه الآمدي والرازي وغيرهما إلى القاضي أبي بكر .
وفي كتاب تيسير التحرير الجزء الثاني : ١٥ ـ ١٧ أيضاً نسبه إليه .