خبر الواحد الدالة على قبول قول العادل مثلاً ، وترتيب الأحكام الشرعية عليه ، لا تفرق بين الأحكام المترتبة على قوله مطابقة ، أو التزاما والبواقي داخلة فيه ، وأيضاً النزاع فيها فيما إذا كان الناقل ناقلاً عن حسه ، لا عن حدسه ورأيه ، إذ لا عبرة برأيه إجماعا ، فلذا قدحوا في نقل أبي عبيدة حيث إنه كان ينقل بعض الأوضاع عن رأيه ، مع أنه من الأجلّاء ، وأهل الخبرة وكان خبيراً غاية الخبرة .
فإذا عرفت محل النزاع ، فالمشهور حجية الظن بالوضع الحاصل من خبر الواحد في الجملة ، قبالاً لما ادعى بعض من السلب الكلي وللأوّل وجوه :
الأوّل الاجماع محصلاً قولاً ، وفعلاً .
وطريق تحصيل الأوّل الرجوع إلى أقوال العلماء ، وإلى الاجماعات المنقولة من أصحابنا ، ومن المخالفين أيضاً ، بحيث يحصل بملاحظة كثرتها القطع باتفاق كلمة جميع العلماء على حجية قول الناقل للّغة ، ولو كان واحداً لا يحصل من خبره القطع .
فمن الناقلين للإجماع من أصحابنا السيد المرتضى قدس سرّه على ما حكي عنه في بعض كلماته ، بل ظاهر كلامه المحكي اتفاق جميع المسلمين ، ومنهم الفاضل السبزواري ، ومنهم السيد البغدادي (١) رحمه الله في المحصول ، ومنهم العلامة (٢) قدس سره في النهاية ، ومنهم المدقق الشيرواني (٣) ، ومن المخالفين الذي ببالنا الآن العضدي ، قال : إنّا نقطع أن العلماء في الأعصار ، والأمصار كانوا يكتفون في فهم معاني الألفاظ بالآحاد ، كنقلهم عن الأصمعي ، والخليل ، وأبي عبيدة .
وطريق تحصيل الثاني التتبع في أحوال السالفين إلى زماننا هذا ، فإن المتتبع يراهم عاملين وآخذين بخبر الواحد الغير المفيد للعلم من دون نكير من أحدهم على الآخر ، حتى أنه لو اتفق التشاجر ، والجدال في لفظ ، وأخذ أحد المتخاصمين بكلام
___________________________
(١) المحصول في علم الاصول مخطوط : ١١ ـ ١٢ .
واليك نصّه : ومنها : نقل الأئمّة الثقات الضابطين المعتمدين كابن الاثير ، والجوهري ، والأزهري ، وصاحب القاموس ، والفيومي ، وأضراب هؤلاء من المتقدّمين والمتأخّرين ، وان كان آحادا لغلبة الظنّ واطمئنان النفس بعدم ردّ المتأخّر ، فإنّ الناس رقباء بعضهم على بعض وخاصّة ما اتفق عليه اثنان منهم او جماعة ، بل ربما أفاد القطع ، كيف لا وما كان ليحكم أحدهم الّا بما تواتر لديه ، او تكثّر النقل عليه . إلى أن قال : ولذلك استمرّت طرائق العلماء الدّيانين على الأخذ منهم والاعتماد عليهم .
(٢) نهاية الوصول الى علم الاصول : مخطوط مبحث الوضع منه .
(٣) حاشية الشيرواني على المعالم : مخطوط .